حرب الاستنزاف الإيرانية تخترق العمق الإسرائيلي وتكشف هشاشة البنية التحتية وغياب الاستعداد اللوجستي

قسم الأخبار الدولية 18/06/2025
كشفت الهجمات الإيرانية الدقيقة التي استهدفت مواقع استراتيجية داخل إسرائيل عن خلل كبير في قدرات الردع التي لطالما تباهت بها تل أبيب، وأظهرت هشاشة منظوماتها الدفاعية رغم التطور التكنولوجي الكبير الذي لطالما شكل مصدر فخر داخلي ودعاية إقليمية. فالهجمات التي طالت منشآت حيوية كمصفاة “بازان” وميناء حيفا، ومرافق عسكرية ومدنية حساسة، لم تُصمم لإحداث دمار شامل، بل لتعطيل الاقتصاد الإسرائيلي واستنزاف قدراته الدفاعية في حرب طويلة الأمد.
تمكنت إيران، باستخدام صواريخ باليستية مطوّرة تعود إلى أجيال سابقة، من إصابة أهداف بدقة عالية، أبرزها منشآت الطاقة والتكرير. التقارير المستقلة أكدت توقف عمل مصفاة “بازان”، أحد أعمدة شبكة الطاقة الإسرائيلية، بينما اضطرت شركة “سونول” إلى تقليص التوريد، في وقت تعاني فيه إسرائيل من ضغوط متزايدة على سلاسل الإمداد ومحطات النقل.
وفي تصريح لافت، اعتبر الخبير العسكري سكوت ريتر أن حجم الضرر الذي لحق بالمصفاة يُعد غير مسبوق منذ إنشائها، مشيراً إلى محاولة إسرائيل التعتيم على الخسائر للحفاظ على المعنويات. هذا التكتم الإعلامي ترافق مع تواتر أنباء عن نقل طائرات حربية إلى قواعد في قبرص تحسباً لهجمات إضافية، ما يعكس إدراكاً إسرائيلياً داخلياً بفقدان السيطرة على الأمن الداخلي.
التكلفة اليومية للدفاع ضد الصواريخ تصل إلى نحو 120 مليون دولار، وسط مؤشرات على قرب نفاد مخزون الذخيرة الاعتراضية، وفق تقارير أميركية، وهو ما يزيد من صعوبة استمرار المواجهة بالوتيرة نفسها. وبالرغم من نجاح منظومات مثل “القبة الحديدية” و”حيتس” في اعتراض بعض المقذوفات، فإن نسبة الاختراق كانت كافية لإحداث أضرار في محطات الكهرباء ومستودعات حساسة.
المواجهة المستمرة شكّلت أول اختبار حقيقي للبنية اللوجستية الإسرائيلية خلال حرب طويلة الأمد، حيث ظهر غياب منظومة صمود اقتصادي، خصوصاً في قطاع الطاقة. فشل التخزين الاستراتيجي، وتباطؤ الاستجابة، وضعا الحكومة في موقف دفاعي داخلي، في ظل تحفّظ أميركي متزايد على الانخراط المباشر. في الكونغرس، بدأت أصوات بارزة تطالب بتقييد الدعم العسكري لتل أبيب، وتُعبّر عن خشية من التورط في مواجهة لا تبدو محسوبة.
أما إيران، فقد اتبعت تكتيك ضربات محسوبة تُربك دون أن تُوسّع، وتُنهك دون أن تُفجر حرباً إقليمية شاملة، مستعرضةً بذلك تطور قدراتها التكنولوجية، ودقة صواريخها، وعمق تحصيناتها، والتي – بحسب ريتر – لم تفلح القنابل الخارقة للتحصينات في كسرها سابقاً، سواء في اليمن أو غيرها.
في النهاية، يبدو أن طهران قلبت معادلة الردع، وفرضت واقعاً جديداً على الأرض. فالحرب، رغم أنها لم تبدأ بقرار رسمي، باتت تُخاض على مستوى البُنى التحتية والقدرات الاقتصادية، والنتائج تؤلم الداخل الإسرائيلي أكثر مما تُرضي غرور التفوق العسكري التقليدي.