تونس والرهانات الاستراتيجية الواعدة مع دول القطب الشرقي
قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 01-03-2024
تقديم
عرفت البلاد التونسية تغييرا كبيرا في السياسات الخارجية يقوم على تنويع الشركاء وفك الارتباط مع المعسكر الغربي، ويعد هذا تحولا ثابتا حيث التشجيع الروسي والصيني لتونس للمضي قدما في هذا السياق واضح.
يأتي تطور العلاقات بين تونس و القطب الشرقي في إطار تحولات عرفتها السياسة الدولية خصوصا تطور المستوى الدبلوماسي التونسي الذي تميز بتنويع الشركاء في وقت مارس فيه الغرب ضغوطات جدية على ملفات سيادية هامة عدة وأبرزها ملف صندوق النقد الدولي.
وفي العام 2018 وقعت تونس على مذكرة تفاهم للانضمام الى مبادرة الحزام والطريق في إطار تخفيف الارتباط الاقتصادي الذي يصفه الخبراء بالخانق مع الغرب حيث تسعى الصين وروسيا وغيرهم من دول “البريكس” الى تكثيف حضورها في تونس ضمن مجالات حيوية كثيرة كان الغرب يسيطرون عليها لسنوات طويلة مثل الزراعة والتكنولوجيا والخدمات وتحضر الصين في تونس بكثير من مجالات التعاون على غرار الصحة والاقتصاد الأخضر وتكنولوجيات الاتصال ومجابهة التغيرات المناخية.
أولا -تونس: تعزيز العلاقات مع بيكين وموسكو
بات التنسيق بين تونس والمعسكر الشرقي لافتا خصوصا في الفترة الأخيرة سواء على مستوى تماهي المواقف في القضايا الدولية أو على مستوى التعاون الاقتصادي. حيث تشاطر تونس مواقفها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحرب على غزة أخرها الموقف المعلن على هامش زيارة وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف الى تونس في نهاية العام 2023 وكذلك وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية.
مجالات التعاون التونسية الصينية في مؤشر الصعود
استنادا لما تكشفه الأرقام والتقارير الاقتصادية فقد ارتفع حجم المبادلات والمعاملات الاقتصادية التونسية الصينية حيث تحتل الصين مرتبة الشريك التجاري الرابع لتونس بعد كل من إيطاليا وألمانيا وفرنسا وهم شركائها التقليديون.
هذا وتؤكد وزارة التجهيز التونسية عن إسناد صفقة أشغال الجسر الرئيسي، الرابط بين الطريق السيارة أ4 ومدينة بنزرت، لشركة “سيشوان” الصينية بكلفة تزيد عن 200 مليون دولار.
ويأتي فوز الشركة الصينية بمناقصة على واحد من أهم مشاريع البنية التحتية في تونس، على حساب فرنسا التي أبدت سلطاتها اهتماما بالمشروع منذ نحو تسع سنوات.
وتحضر الصين كمنافس رئيس لدول الاتحاد الأوروبي في المناقصات الدولية التي تطرحها تونس، تزامنا مع تحركات دبلوماسية مكثفة لدول المعسكر الشرقي أهمها الصين وروسيا التي تعمل على توسيع حضورها الاقتصادي في تونس. ويؤكد فوز الصين بمناقصة جسر بنزرت وفق الخبراء، بوادر تحولات في الارتباطات الاقتصادية لتونس التي تتجه شرقا على حساب الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر شريكها التاريخي.
وتعمل الصين وتونس، سويا، على تعزيز الصداقة من خلال العمل بجدّ على التبادل والاستفادة المتبادلة وتقارب قلوب الشعبين.
وتعتبر البعثات الصحية والطبية الصينية إلى تونس من أبرز النجاحات التي تواصلت منذ عشرات السنين ويحظى الطاقم الطبي الصيني بثقة واحترام التونسيين نظرا لجودة الخدمات وكفاءة الطاقم الطبي الصيني.
ونذكر من بين الإنجازات التي تحققت بمساعدة من الصين، بناء المستشفى الجامعي بصفاقس والأكاديمية الدبلوماسية الدولية والمركب الثقافي والرياضي للشباب ببن عروس.
وتخللت هذا المسار عديد المحطات المضيئة بفضل الإنجازات المتعددة والهامة، نذكر منها بناء “قناة وادي مجردة-الرأس الطيب” على طول 120 كيلومتر كما نذكر ما حققته الشركة الصينية من تقدم ملحوظ في برنامج تشييد سدّ ملاّق العلوي وغيره من المشاريع الكبرى بفضل مساعدة الصين.
وهي من الإنجازات التي مكنت من تحويل مياه الري من غرب تونس إلى شرقها ومثلت بذلك أساسا متينا لتنمية قطاع الزراعة في المنطقة الشمالية الشرقية بتونس.
كذلك من بين النجاحات، أصبحت تونس أول دولة عربية تدرج تعليم اللغة الصينية ضمن مساقات التعليم في مرحلة التعليم الثانوية وكذلك في امتحان البكالوريا، منذ سنة 2003. وقد تزايد، من سنة إلى أخرى، عدد الطلاب التونسيين المتفوقين الذين يتطلعون إلى الدراسة في الصين.
ويعمل الجانب التونسي كذلك على توطيد علاقات الصداقة والتعاون. وقد بادرت الحكومة التونسية بتنفيذ سياسة الإعفاء من التأشيرة للسياح الصينيين على نحو شامل وسيساهم هذا القرار في تقديم التسهيلات الهامة للتواصل والتبادل غير الحكومي بين الجانبين بما يعزز التعارف والتقارب بين الشعبين.
توطيد أواصر التعاون التونسي الروسي
أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال زيارة عمل نهاية ديسمبر من العام 2023 بعد لقاء بنظيره التونسي نبيل عمار “تسجيل اتفاق على تطوير التعاون بين البلدين في مجالات واعدة مثل الزراعة والطاقة خصوصا النووية والتكنولوجيات الحديثة”.
في المقابل كان لموسكو الدور الرئيسي في احتلال الصدارة على مستوى السوق السياحية التونسية باعتبار تونس أهم وجهة سياحية عالمية بالنسبة للروس كذلك على مستوى حجم المبادلات التجارية الذي ارتقى وفقا لمعطيات ديوان وزارة التجارة الى 1.2 مليار دولار خلال 2023 . وقد أعلن وزير الخارجية الروسي عن عقد اتفاقيات شراكة هامة وواعدة في شتى المجالات
تحولات مهمة في تونس على مستوى السياسات الاقتصادية
التحركات الدبلوماسية المكثفة بين تونس ودول المعسكر الشرقي، تؤكد بوادر تحولات مهمة على مستوى التعاون الاقتصادي وتخفيف الارتباط بين تونس دول الاتحاد الأوروبي. حيث تحرز روسيا تقدما على مستوى التعاون مع تونس في مجالات الاستثمار الأجنبي المباشر والتبادل التجاري والخدمات وهي مجالات كان يسيطر عليها الأوروبيون.
إضافة الى وجود تشجيع روسي لتونس لإعداد ملف من أجل الانضمام “لمجموعة البريكس” رغم عدم كفاية المؤهلات في الظرف الحالي ويعكس ذلك تضافر المجهودات الروسية التونسية الى مزيد تدعيم بناء فضاء استثماري أكثر تنوعا وسوق روسية تونسية استهلاكية أكثر رواجا بالبلدين وإيجاد فرص وبدائل تفتح أفاقا لتعاون كل من تونس وشريكها الروسي في المستقبل ضمن مجالات متنوعة (التشغيل ، التعاون العسكري ،المحروقات والغاز وبناء المحطات الطاقية ، البيتروكيميائيات ومنظومة الصناعات الجيوفضائية …).
تحولات جيوسياسية في كامل المنطقة باتت ترجح الكفة نحو التعامل مع بلدان مجموعة البريكس والمعسكر الاقتصادي الشرقي، الذي أثبت قدرة تنافسية مهمة مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي التي تعد الشريك التاريخي لمنطقة شمال أفريقيا.
خلاصة :
في إطار سعي الدول الآسيوية الى توطيد حضورها في السوق الإفريقية باعتبارها تمثل سوق استهلاكية مهمة بالنسبة لها وقارة تمتلك ثروات كبيرة . تمثل هذه الشراكات بحد ذاتها بدائل جديرة بالاهتمام ومستجيبة الى حد كبير الى معايير السياسات التونسية في شتى المجالات الاقتصادية والدبلوماسية للمضي قدما في إطار فتح وجهة تونسية واعدة تكون أكثر انفتاحا على بوابة المعسكر الشرقي .