تونس أقامت داخل “ثقب أسود عميق” تحت حكم”الإخوان
تونس-15-9-2021
كتب لطفي العربي السنوسي،بجريدة(الصحافة) مقالا تحت عنوان:عن”ددولة العشرية الفاسدة” “انقلاب” قيس سعيد..! جاء فيه:
عندما نستمع إلى صراخ “النخبة السياسية” – بعضها وليس كلّها – وهي تتباكى خوفا على الديمقراطية وعلى الحريات من “استبداد” قيس سعيد فهذا يعني ضمنيا وبالضرورة أن السنوات العشر الأخيرة من “حكم الاخوان” كانت سنوات “الرفاهية الديمقراطية” وتجلٍّيا عميقا من تجلياتها الأكثر مثالية لم تعرف خلالها تونس أي شكل من أشكال التأزم السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي وإنما هي دخلت – الآن – في أزمة سياسية حادّة بعد حراك 25 جويلية 2021… أي أن تونس قد انتقلت بعد هذا التاريخ من “حالة الدولة” الديمقراطية الى “الدولة المسترابة” – إن صحّ الاستعمال – التي يخشى فيها المواطنون على حرياتهم… وهذا – في الواقع – ما يريد عدد من السياسيين المتقاعدين ممّن لم نسمع لهم صوتا ولا موقفا عندما كانت “دولة المشيشي البوليسية” المتكئة على “إخوان” تونس بصدد هتك الأعراض وبصدد قمع غضب الشباب في شوارع الاحتجاج… ولم نسمع لهم موقفا في أكثر من نازعة وفي أكثر من جلل.. فهل كانت دولة العشرية الأخيرة التي قادها “الاخوان” علنا ومن الكواليس دولة ديمقراطية..؟ هل كانت دولة مواطنين أصلا..؟
لقد كانت “دولة العشرية” دولة الخيبات والانتكاسات الكبرى، دولة فاشلة طردت مواطنيها وأهلكتهم.. وقد عاشوا على امتداد هذه العشرية كل أشكال الاحباط والإذلال.. دولة غادرها مواطنوها وقد عافوا العيش على أراضيها .. دولة عاجزة وغير مؤهّلة للإجابة أصلا عن أسئلة مواطنيها وقد تحوّلت الى “كيان” قاهر وطارد لهم فهرب من هرب وجُنّ من جنّ وآخرون ماتوا غبنا أو غمدا أو هلكوا بشكل أو بآخر…
عشر سنوات وتونس مقيمة داخل “ثقب أسود عميق” لم يهنأ فيها مواطنوها بلحظة سلام واحدة.. “ثقب أسود” من الخوف والآلام كانت كل ملامحه تنذر “بيوم قيامي” سينفجر ـ بلا ريب ـ في وجه “دولة العشرية” فيكنسها تماما… وبالفعل كان كما كان في رواية 25 جويلية 2021 والحمد لله أنه لم يكن يوما دمويا ـ كما توقّعه الكثيرون ـ بل كان يوم غضب عالي النبرة قطع دابر النكسة التونسية بما لم يكن متوقعا وقد توّجهُ الرئيس قيس سعيد بتدابير استثنائية من صميم دستور النكبة.
لقد جثمت “دولة العشرية” على جسد البلاد التونسية وأهلكته وامتدت في كل مفاصله ولم تكن ـ في الواقع ـ سوى نتاج توافقات مغشوشة وتكتيك سياسي / حزبي انتهازي قائم على تبادل الغنائم والمصالح دون أن يكون له مشروع حكم حقيقي لتسيير شؤون البلد ما زاد في تعميق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية وفي تكديس الملفات وتعليقها ضمن سياسات عمومية فاشلة مرّرت الفشل من حكومة إلى حكومة ما أغلق كل منافذ النجاة من أزمة اقتصادية حادة ومجتمعية منذرة بالتفجر والعصيان الذي لم ينصت اليه “حكام تونس” ولم ينتبه إليه “الاخوان” وقد تعالوا واستكبروا على أهل تونس وأذلّوهم وضيّقوا عليهم الأرزاق والحياة..
فما الذي انقلب عليه الرئيس قيس سعيد..؟ وهل أجرى ـ بالفعل ـ انقلابا حقيقيا على منظومة ديمقراطية راسخة وعلى مؤسّساتها وسلطاتها..؟
لنأخذ ـ مثلا ـ البيان الأخير لحزب العمال اليساري لصاحبه “حمّة الهمامي” فما الذي يعيبه هذا الحزب على الرئيس قيس سعيد..؟
يقول البيان في موقع منه…: “التمديد يسمح لسعيد بمواصلة احتكار كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية دون الخضوع لأية رقابة واستكمال انقلابه على الدستور”.
ولو تأملنا جيّدا بيان “حمّة الهمامي” فإنّه من حيث لا يدرك يقرّ بأن السلطة التنفيذية والقضائية قبل 25 جويلية 2021 كانت مستقلة وذات سيادة وعادلة ومحايدة وهو يخشى عليها ـ الآن ـ من أن يحتكرها قيس سعيد دون الخضوع لأي رقابة…
وهنا لا بدّ من تذكير الحزب العمالي اليساري وكل من يصرّ على اعتبار 25 جويلية “انقلابا” على الدستور بأنّ حركة “النهضة” الاخوانية وعلى امتداد عشر سنوات قد احتكرت القضاء والقدر والعدل ووضعت كل السلطات بين يديها وتحت أقدامها وكدستها في مونبليزير وكثّفتها في باردو وتحكمت في الملفات الكبرى وضيّعت حقائق الدم والقتل والاغتيالات السياسية وأدارت القضاء والمحاكم بتعليمات تنزل على القضاة المتواطئين مع أمنيين بلا ضمائر، المتواطئين بدورهم مع شهود الزور
فضاعت حقيقة اغتيال شكري بلعيد وكذا البراهمي ولطفي نقض وغيرهم من التونسيين المغدورين… فهل كان قضاء البحيري قضاء عادلا ومحايدا…؟ كم من قاض سقط بعد 25 جويلية بتهم أخلاقية ومالية وتهم رشوة وفساد؟ وهو القضاء ذاته الذي “تعسّف واستبدّ” وأصدر “احكاما فاحشة” ضدّ شباب حزب العمال عندما خرجوا إلى شوارع الاحتجاج في فترة حكومة المشيشي العالق بـ”الاخوان”…! فما التوصيف الذي يليق بكل هذا…؟.
نعم لقد انقلب قيس سعيد يوم 25 جويلية وأجرى “انقلابا عميقا” على “دولة العشرية الفاسدة” بدستورها الفاسد وبقضائها المرتشي غير العادل وبأمنها المتواطئ مع الفساد والمفسدين ومع الإجرام والمجرمين وعلى المجلس ونوابه من النطيحة والعرجاء… وعلى دولة الفساد و”الكناطرية” وانتصر في كل ذلك لتونس ولأهلها ونجح ـ على الأقل ـ في تخفيف الوطإ عليهم وفي تبديل مزاجهم ولا نعتقد بأنّ الرئيس سيخذلهم في ما هو مقدم عليه من كنس تام “لدولة العشرية” السابقة بكل رهوطها وبكل مؤسّساتها وقوانينها ودستورها الفاسد في اتجاه بناء دولة اجتماعية عادلة هي دولة المواطنين لا فرز فيها ولا إحباط…