تنظيم الإخوان في النظام العالمي الجديد
رباب حدادة : باحثة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية و العسكرية : قسم علوم سياسية
06/02/2021
تقديم عام
1/ تنظيم الإخوان وعسكرة الصراع السياسي
2/أسباب ضعف تنظيم الإخوان
– أسباب داخلية:أزمة القيادة وصراع الأجيال
– أسباب خارجية:تنامي الوعي الدولي بخطورة التنظيم
3/تنظيم الإخوان في النظام العالمي الجديد
– السيناريو الأول:عقد تحالفات جديدة
– السيناريو الثاني: تغير المناطق واستراتيجيات النفوذ.
التقديم العام
تنظيم الإخوان هو تنظيم سياسي بامتياز التفت كل عناصره حول إيديولوجيا واحدة هي “اَسلمة الدول” .وحسب فكر التنظيم تعتبر الشعوب الإسلامية شعوبا مرتدة تخلت عن الدين الصحيح وتأثرت بالفكر الغربي وذلك ما يشرع-حسب اعتقادهم- تجديد الدعوة من خلال اختراق المجتمعات من الداخل باستخدام المنظمات والجمعيات والتقرب من الشعب لنشر ما يعتقدون أنه التعاليم الصحيحة للدين.
مشروع كامل للدعوة رأى فيه الإخوان حقا في قيادة الدعوة الإسلامية بعد أن ظهر في إيديولوجيتهم مفهوم “الجاهلية الجديدة” والتي اعتبرت بمقتضاها الشعوب الإسلامية كافرة وتقتضي قيادة إسلامية جديدة بزعامة “المرشد الأعلى” لتنظيم الإخوان الذي سيقوم بمهمة الأستذة للأمة الإسلامية إذ لا وجود للأوطان في مشروع الإخوان وإنما ينحل الكل ويتحد في ذات التنظيم الذي يكون له الولاء الأعلى .
“التربية الإسلامية” من منظور الإخوان هي الهدف الأول للتنظيم الذي سعى من خلال هذا التصور إلى التأثير في المناهج التعليمية و كذلك التوغل في مؤسسات الدولة من خلال الأحزاب والأجهزة السياسية و تفريغ ايديولاجياته في النصوص القانونية والمناهج التعليمية والمنظومات الإقتصادية (المالية الإسلامية، منتجات حلال..).و نشر نظام عيش وسلوك للمجموعة يرونه دينيا.
ترسيخ الإيديولوجيات المتطرفة كان له التأثير الكبير في صناعة التنظيمات المسلحة إذ كان المهد الفكري التي ترعرعت فيه قياديات إرهابية كبرى مثل أسامة بن لادن والظواهري والبغدادي.
هذه النزعة المتطرفة نحو القتال والنشاط المسلح ظهر أكثر مع تعاليم ونظريات سيد قطب في الستينات من خلال مؤلفاته التي يتصدرها كتاب “معالم على الطريق” الذي وضع فيه القواعد الفكرية “للجهاد المسلح”.وكانت فترة الستينات التي أمضاها سيد قطب في السجون المصرية يصدر مؤلفاته لاتباع التنظيم شكل قاعدة إيديولوجية بانت ملامحها في السبعينات من خلال ظهور العديد من التنظيمات الإرهابية المسلحة.
تصاعدت المواجهات بين الإخوان وأنظمة دولهم وظهرت تيارات التكفير والهجرة أهمها التيار الذي قاده شكري مصطفى في الثمانينات والذي دعا فيه قيادات الإخوان إلى مغادرة دولهم نحو دول أخرى وكانت أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية الوجهتين الأساسيتين لقيادات الحركة.
تمدد التنظيم منذ تلك الفترة وتغيرت ملامحه وواجهاته بتغير الظرفية العالمية طيلة ما يقارب القرن على تأسيسه وأصبح يضم 67 فرعا تحت7 فروع عالمية ويشرف على كل منطقة قائد: شمال إفريقيا، أوروبا، أمريكا الشمالية و اللاتينية و كندا، شرق آسيا و الباسفيك، وسط آسيا، اليمن والخليج وإيران و أفغانستان، دول الشام.
غير أن العالم يعيش تحولا سياسيا كبيرا يتجلى في مستوى تغير التحالفات واستراتيجيات القوى الكبرى والإقليمية وحتى مناطق السيطرة والنفوذ أمام جائحة عالمية أرهقت الدول، وتنامي للحروب الإلكترونية. فماذا قد يتغير في استراتيجيات الإخوان في هذا النظام الجديد الذي أعلنت فيه الحرب على الحركات المتشددة؟
هل أن انحسار الإخوان في الزاوية يعيد إلى السطح حركات العسكرة وعمل الأجنحة السرية؟
لماذا تخلت أوروبا عن الإخوان؟
من سيكون حليف التنظيم الذي لا يثبت حلفاؤه؟
1- تنظيم الإخوان وعسكرة الصراع السياسي
عمل التنظيم على إنشاء دولة داخل الدولة في كل منطقة يستقر فيها وأصبح ذلك عرفا للحركة.فإلى جانب المؤسسات السياسية و المدنية يمتلك التنظيم جناحا عسكريا سريا معتقدين أن عنفهم هو عنف شرعي يتيح لهم الدفاع عن وجودهم ضد “الفئة الباغية”
سار تشكيل الجناح السري بالتوازي مع تشكيل التنظيم وخرجت القوة العسكرية إلى العلن في الخمسينات حيث تفطنت الحكومة إلى مخازن الأسلحة(عزبة فرغلي 22 أكتوبر1948).. القيام باغتيالات سياسية (اغتيال رئيس الوزراء المصري أحمد ماهر باشا 1945/ وزير الأوقاف محمد الذهبي / إلى جانب محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في 1954…)
كانت فترة الستينات والسبعينات فترة صراع دامٍ بين النظام وتنظيم الإخوان حيث قتل العديد من قياداته كسيد قطب واعتقل أكثر من 32 قياديا آخرين وغادر الباقون الدولة .
منذ 1982 بدأ التنظيم استراتيجية جديدة و تخلى عن الصدام المباشر مع النظام وروج أنه تخلى عن نظامه العسكري أو ما يصطلح عندهم “بالتنظيم الخاص” وساروا نحو تشكيل أحزاب سياسية وتصدير العنف والتطرف المسلح إلى تنظيمات أخرى منفصلة عن الإخوان هيكليا ولكنهم يحملون جيناته الإيديولوجية، وفي طليعة هذه المجموعات، تنظيم القاعدة .
مثلت حالة الفوضى التي عاشتها البلدان العربية مناخا ملائما لنشاط التنظيم الخاص للإخوان وأصبح عمله مخابراتيا أكثر منه عسكريا طيلة عقود ليستعيد نشاطه المسلح في فترة الثورات العربية خاصة في مصر حيث سعى التنظيم إلى عسكرة الصراع السياسي من خلال تنظيمه السري من جهة وتحريك أذرع مسلحة كحركة حسم ولواء الثورة من جهة ثانية.
العمل العسكري الموازي للنشاط السياسي ليس وليد فترة معينة أو ظرفية خاصة وإنما فكرة راسخة في ثقافة قيادات التنظيم توارثتها عن حسن البنا الذي اعتبر أن “الأمر أصبح جدّا لا هزلا، وأنّ الخطب والأقوال ما عادت تجدي، وأنّه لا بدّ من الجمع بين الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل”
تعتبر هذه الأجنحة العسكرية نقطة استقطاب للشباب الذي يميل للتحرك والنشاط الميداني و بذلك إغراء فئة واسعة من الشباب من خلال الأفكار المتطرفة وتسخير قيادات لتدريبهم و إدماجهم في شبكات وخلايا للنشاط المسلح
تونس كذلك من الدول التي تحركت فيها الأذرع الخفية للتنظيم الخاص لحركة النهضة التي استهدفت خصومها السياسيين، ففي 24 سبتمبر 2018 قدمت هيئة الدفاع عن السياسييْن شكري بلعيد ومحمد البراهمي أدلة ووثائق تثبت تورط الجهاز السري لحركة النهضة في عمليات الإغتيال أمام مماطلة السلطات الرسمية للدولة في المضي قدما في التحقيقات.
خروج قضية الجهاز السري تثير الرعب في نفس أغلبية الشعب الذي تحطمت لدى فئة منه الصورة الوهمية التي رسمها لحزب سياسي رآه يعكس الهوية الإسلامية والعربية وعجزت فئة أخرى منه عن التصدي للدولة العميقة للإخوان في تونس.
2- أسباب ضعف التنظيم العالمي للإخوان
الأسباب الداخلية: صراع الأجيال وأزمة القيادة
يعمل التنظيم على إبراز قيادات سياسية تحظى بالدعم الشعبي وتمتلك مواصفات القادة الحداثيين التي من الممكن أن تنال شعبية و تلتف حولها الأغلبية غير أن ذلك لم ينجح لأن التنظيم يقوم على تربية ثابتة لأعضائه ترتكز على الطاعة والإمتثال للرأي الواحد حيث تذوب الصفات الشخصية للفرد أمام التنظيم.
وحسب الدكتورة بدرة قعلول” تُظهر التجربة منذ عشر سنوات على حكم الإخوان في عديد البلدان العربية أن الجماعة لم تُخرّج للساحة السياسية كادرا يمتاز بالمواصفات التي يجب توافرها في عضو الحزب المدني الحديث و من بينها ميزة النقد واحتمال الإختلاف وتنوع الآراء بل إنها فرخت جنودا مقاتلين مطيعين”
بعد اعتقال القائم بأعمال مرشد الإخوان المسلمين محمود عزت في أغسطس 2020 وقع فراغ في منصب المرشد الأعلى للإخوان وأصبح التنافس على أشده بين القادة وكل يسعى إلى القيام بحملته الإنتخابية الخاصة والترويج لنفسه كقائد مثالي، من بين تلك الشخصيات كان زعيم حركة النهضة بتونس الذي سعى ليكون قائد التنظيم معتبرا أنه نجح في صنع نموذج لشخصية سياسية حداثية، كما يعمل على ذلك الإخوان ، غير أن رئيس حركة النهضة وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الرئيس التركي أردوغان الذي دخل سباق التنافس على قيادة الإخوان.
قائمة المرشحين تطول وشملت شخصيات من التيار القطبي الذي سيطر على التنظيم على غرار يوسف ندى بارون المال والإقتصاد للجماعة ، إلى جانب محمد البحيري الذي يملك نفوذا وتأثيرا في كل الملفات الخارجية وذهب البعض لاعتباره المرشد الخفي للإخوان بعد جدل طويل حول القيادة.
تم في الأخير مبايعة إبراهيم منير الأمين العام للتنظيم ونائب المرشد وأحد أبرز أعضاء مكتب لندن غير أن التعيين لاقى معارضين كثرا من قبل بعض القيادات وكذلك الجيل الجديد.
فيما يتعلق بالقيادة فإن الأزمة لدى الإخوان أصبحت مألوفة في العقد الأخير وأصبحت الشخصيات التي يتم تعيينها لا تحظى بدعم كافٍ، فعلى الأغلب لم يعد التنظيم يملك قيادات تلائم مقاس المرشد كما رسمه الفكر الإخواني و هذا ما فتح باب التنافس على الخلافة وخرج إلى العلن تشتت صفوف التنظيم وقد لاقى إبراهيم منير المرشد الجديد نقدا من شيوخ بارزين للإخوان مثل عصام تليمة الذي حمل المرشد ومكتبه الجديد مسؤولية تسليم عزت إلى السلطات.
من جهة أخرى أتى تعيين المرشد الجديد قبل أيام من حملة قام بها الإخوان للتظاهر ضد النظام المصري في17 سبتمبر 2020 و دعمت وسائل إعلام بتمويل قطري وتركي هذه الحملة إلا أنها باءت بفشل شديد ولم تلقَ تجاوبا شعبيا ما يعني أن التنظيم وقياداته فقدت وزنها وإشعاعها من الفئة الشعبية التي أثرت فيها و تعودت على تحريكهما في الإحتجاجات .
أما الأجيال الجديدة من التنظيم،فقد عارضت المرشد الجديد بما أنها تعتبر كل القادة الذين عاشوا لفترات طويلة خارج دولهم العربية خاصة مصر، أصبحوا تابعين لأنظمة الدول الأجنبية ويخدمون مصالحها. مسالة القيادة والعديد من الإختلافات الفكرية زادت الهوة بين أجيال التنظيم الذي تتمزق أوصاله أصولا وفروعا..وخشية عدم الإستمرارية الفكرية والمؤسساتية والتحاق الشباب، أجبر التنظيم على دخول مسار تعديل وتغيير منذ 2015.
أسباب خارجية: تنامي الوعي بخطورة التنظيم
عندما هربت قيادات التنظيم من بلدانها استقبلتها الدول الأوروبية كمعارضين سياسيين حيث تركزوا في مختلف الدول الأوروبية و شكلوا قواعد شعبية كبيرة بالتأثير في المهاجرين وكونوا مؤسساتهم المالية والمدنية والدينية التي كانت بطاقة انخراط لهم في الشأن الأوروبي ووصلوا إلى مرحلة من التمكن خولتهم التأثير في صنع القرار السياسي و تسيير الشأن المحلي للمدن التي يتركزون فيها.
وحسب الدكتورة بدرة قعلول “تلقى التنظيم الدولي للإخوان الدعم المالي من بلدان أوروبية لتستخدمهم وترجعهم فيما بعد لدمار بلدانهم.
كانت الدول الأوروبية تعدهم من أجل الإبتزاز والتفاوض بما يسمى ملف المعارضة المضطهدة مع حكام دولهم ولكنها لم تتفطن إلى أن هؤلاء يمكن أن يصبحوا خطرا على مجتمعاتها” إذ كشفت المخابرات الأوروبية أن اغلب العمليات الإرهابية التي وقعت في أوروبا ليست من متطرفين أجانب كما اعتقد الأوروبيون ولكن 56 بالمائة من هذه الهجمات قام بها مواطنون أوروبيون ما يعني أن تأثير الإخوان تجاوز المهاجرين وطال الشباب و الناشئة الأوروبية بما لهم من وسائل تأثير في المناهج التعليمية والمساجد ومواقع التواصل الإجتماعي التي أوصلت التنظيم إلى تحقيق أهدافه فيما يسمونه أسلمة المجتمعات .
تصاعد العنف في أوروبا وازدياد عمليات الذئاب المنفردة خاصة في 2020 والعمليات الشهيرة في فرنسا وألمانيا، دفع إلى مراجعة السياسة الأوروبية في دعم المنظمات المتطرفة والمؤسسات التي تنشط تحت مظلة تظيم الإخوان الذي أصبح أشبه بشبح موت للدول الأوروبية التي استقبلته في فترة ما و استغلته في خدمة مشاريعها السياسة ومد نفوذها، إلا أن السحر انقلب على الساحر و تحولت بذور الإخوان إلى نبات شوكي أدمى المجتمعات الأوروبية ما دفعها إلى رسم استراتيجيات وطنية وإقليمية لمكافحة الإسلام السياسي والايدولوجيا المتطرفة
وكانت الدول المبادرة هي الدول التي مثلت نقاط التمركز الأولى للتنظيم منها ألمانيا التي حذرت من وصول الإخوان إلى مناصب سياسية محلية وجهوية مثل المجالس البلدية و مجالس الشيوخ وذلك بعد أن كشفت الإستخبارات الداخلية في برلين أن جماعة الإخوان ومنظمة ميلي غوريش التركية يملكان 600 قيادي مؤثر في ألمانيا .تبع ذلك حملات واسعة من السلطات الألمانية والفرنسية وقرارات بغلق المنظمات والجمعيات التي يشتبه بعلاقاتها بالتنظيم لفصله عن واجهاته السياسية والإجتماعية التي ينشط تحتها وبدأت الدول الأوروبية في إقرار إجراءات لتجفيف مصادر التمويل من خلال قوانين أوروبية جديدة متعلقة بتبييض الأموال والبنوك و شركات التحويل لفرض مزيد من التدقيق و الشفافية.
تعرض التنظيم إلى حرب أوروبية ضيقت نشاطه وأفقدته أهم الركائز التي يبسط من خلالها نفوذه وكان ذلك سببا واضحا لضعفه حتى الدول العربية التي كانت تعيش في اضطراب سياسي لم يطل بقاؤه فيها وبدأت ملامح اليقظة تتجلى. سقوط المشروع الاخواني بدا في مصر التي كانت حلم الإخوان بما أنها كانت نقطة انطلاقه غير أن مصر أرض الشمس ولا ترضى بالظلمات، وكان سقوط حكم الإخوان إحباطا كبيرا لهم .
في تونس تنامي نفوذ حركة النهضة في الساحة السياسية إلا أنه بدأ يضعف وأفل نجم الحركة في أنظار الشعب.هذه الموجة العربية ضد الإخوان ستشتد بعد المصالحة الخليجية التي تضغط على قطر أحد أهم الداعمين للتنظيم مما دفع قياداته المقيمة في قطر إلى المغادرة ليفقدوا بذلك الدعم الخليجي.
حصار أوروبي عربي على الإخوان في السنتين الأخيرتين أفقد التنظيم سلطته في مناطق تمركزه التاريخية.. وإلى جانب الحرب الإقليمية والدولية التي تعتبر سببا خارجيا لضعف الحركة نجد أسبابا أكثر تهديدا لها و هي الأسباب الداخلية المتمثلة في النزاعات الداخلية وهي أزمة القيادة من جهة والإختلاف الفكري بين أجيال التنظيم.
3- الإخوان في التنظيم العالمي الجديد
تغيرت التحالفات الدولية والإقليمية وستشهد مزيدا من التغيير بدخول سياسة بايدن التنفيذ و سيكون لذلك تأثير مباشر على الإخوان خاصة في مستوى التحالفات الجديدة وكذلك تغيير مناطق النشاط واستراتيجية التحرك.
السيناريو الأول : عقد تحالفات جديدة للإخوان
خسر التنظيم أفضل حلفائه وهو قطر التي بدت ملامح تغيير سياستها في تقديم الدعم لهم أمرا واضحا وسيجعله يخسر دعما ماليا وسياسيا كبيرا.
أما تركيا فإن سياستها تقوم بالأساس على التنظيم وقد أرست شبكة عالمية من المؤسسات التي تعمل تحت راية الإخوان لذلك لن تتخلى عنهم، إلا أن سياستها قد تعتدل إجبارا في ظل السياسة الأمريكية الجديدة التي لن تتخذ من تركيا حليفا وقد أعلن بايدن استياءه من أردوغان وجماعة الإخوان بعد أن كان أكثر من دعمتهم الولايات المتحدة.سقط الإسلام السياسي وارتفعت أصوات الرافضين له في الدول الأوروبية والعربية وأصبح ورقة خاسرة ولن يجازف بايدن ويصطف إلى جانب الإخوان بعد فشلهم في تنفيذ المخطط الأمريكي الذي سبق ورسمه أوباما من قبله .
لذلك،بعد فك الأطراف الرسمية الدولية ارتباطها لن يبقى أمام التنظيم غير التحالف مع أطراف غير دولية ونقصد بذلك المجموعات المسلحة وتنظيمات الإرهابية الأخرى كالقاعدة وداعش.
تحالف الإخوان مع القاعدة وداعش ليس بالأمر الجديد غير أنه سري ويصعب توثيقه.. في النهاية أغلب قيادات القاعدة وداعش هم أفراد سابقون في تنظيم الإخوان قبل التوجه إلى مرحلة أكثر عنفا وهي العمل المسلح..هذا التحالف سيكون أقل بكثير مما كان عليه و سيحاول الإخوان الإبتعاد عن الأضواء من خلال تجنب المجموعات المعروفة كالقاعدة و داعش اللذين يجذبان أنظار العالم وتستهدفهما الإستراتيجيات الأمنية .
وحسب ما أفاد به الدكتور خالد عكاشة في ندوة نظمها المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية فإن ” الإخوان لجأوا إلى القيام بتحالفات سرية مع المرتزقة كي لا يكون هناك طابع راديكالي يربطها بتلك التنظيمات.. وفي هذه الدراسة نخشى تنامي التعاون بين هذه المجموعات وجماعة الإخوان. جماعة الإخوان لا تتحرك منفردة من دولة إلى دولة أخرى وتضع الدول كمحطات وسيناريوهات و تضع لكل دولة السيناريو الذي يليق بها، وإذا ركز المجتمع الدولي على التنظيمات المسلحة الكبرى كداعش والقاعدة فقد نشهد تناميا لعمل الإخوان مع الميليشيات المرتزقة خاصة أنها أظهرت قدرة على صناعة التهديد في أكثر من منطقة (ليبيا-اليمن-أذربيجان-القرن الإفريقي..) وبالتالي ستكون الميليشيات المسلحة خيار الإخوان في العقد الجديد وقد نشهد تقاربا بين الطرفين لأنهما ينشطان في فضاء أكثر سرية كما لا يحظيان بتركيز كبير خاصة إذا كانت الميليشيات المسلحة غير معروفة.
تغير التحالفات سيرافقه لزوما تغير في الإستراتيجيات ومناطق التمركز وذلك في خطة كاملة للتنظيم للعقد الجديد وفي إطار نظام عالمي مختلف وظرفية دولية جديدة.
السيناريو الثاني : تغير مناطق التمركز واستراتيجيات النشاط
بالإضافة إلى الدول التي تعرف بوجود التنظيم فيها ونشاطه نجد دولا بعيدة عن الأضواء كشفت فيها أغطية التنظيم في أوروبا واحدا تلو الأخر حتى فروعه الأكثر سريا ،منها تلك المتركزة في دول البلقان وعلى وجه الخصوص مقدونيا الشمالية والبوسنة والهرسك حيث كشف تقرير صادر عن مركز غلوبسيك والمشروع الأوروبي لمكافحة التطرف (CEP) أن التنظيم متجذر في هذه البلدان منذ فترة طويلة وهو يعمل في الخفاء، فالبوسنة مثلا كان أول رئيس لها عزت بيغوفيتش من المنتمين للإخوان و قد لاقا دعما كبيرا من التنظيم .
كل الدراسات والتقارير الأوروبية التي أصبح التنظيم شغلها الشاغل في النصف الثاني من سنة 2020 ستجبر الإخوان على التراجع إلى مناطق جديدة يمكنه أن يجدد فيها خلاياه و ستكون على الأغلب مناطق في آسيا الجنوبية مثل ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وذلك لأسباب مختلفة.
هذه الدول في عزلة نوعية عن الأضواء وتعرف باستقرارها ونشاطها الإقتصادي الصاعد ما سيكون فرصة للإخوان لتكوين نشاط اقتصادي ومؤسسات أخرى ينشط من خلالها.
من جهة أخرى تمثل هذه الدول أرضا خصبة لإيديولوجيتها. فبالرغم من أنها تعرف بتياراتها الدينية المعتدلة إلا أن ارتفاع عدد المسلمين فيها سيمكن الإخوان من النشاط و التغلغل في النسيج المجتمعي وإنشاء تيارات متطرفة كما فعل في العديد من الدول بما أن عدد المسلمين مرتفع جدا وسيكون الإندماج معهم والإنصهار في مجتمعاتهم أمرا هينا
وقد بدا الخروج الفعلي لقادة الإخوان من الدول التي كانت تحميهم مثل قطر والدول الأوروبية نحو تلك الدول الآسيوية.
أما الإستراتيجيات المعهودة للإخوان فستختلف أيضا. فأمام الحرب التي أعلنت على التطرف والإرهاب دوليا لن يبقى للإخوان إلا الإنحناء أمام العاصفة، لذلك ستكون استراتيجياتهم أكثر مرونة واعتدالا.
بعد غلق العشرات من المؤسسات والمساجد التي تقع تحت نفوذ التنظيم واتخذها منابر لبعث أفكاره المتطرفة وكذلك تصنيف مجموعات مسلحة لها صلات وثيقة مع الإخوان ضمن قوائم الجماعات الإرهابية مثل حركة “حسم” سيخفف من النشاط المؤسساتي للتنظيم الذي قد يلجا أكثر إلى الفضاء الإفتراضي من خلال مواقع وكذلك التطبيقات الذكية وهذه الطريقة ستضمن له الوصول إلى فئة كبيرة دون إمكانية الكشف عن الهويات و إثبات أي علاقة للتنظيم بالنشاطات المتطرفة.
أما سياسيا فستكون الأحزاب الإخوانية أكثر ميلا لتوظيف خطاب سياسي حداثي وديمقراطي يتماهى مع ثقافة الديمقراطية و الحريات التي تعززت في الأجيال الجديدة التي تبحث في أغلبها عن إرساء فكر الحداثة و التجديد ،وهذه الإستراتيجية ليست جديدة تماما وإنما بدأت تطبق لبعث أحزاب على نموذج حزب التنمية والعدالة التركي .
بعد عقود من التمدد وإرساء هيكلة عالمية حضت بدعم السياسيين والدول لتنفيذ خططها الدولية سيكون العقد الجديد فترة حرجة للتنظيم الذي سيعمل على توحيد صفوفه وتجميع قوته في مناطق جديدة ومغايرة أو اتخاذ شكل مختلف في المناطق التي تعود النشاط فيها، وستكون له تحالفات جديدة في الأطراف غير الدولية والجماعات المسلحة ليعوض حلفاءه الدوليين مثل قطر والولايات المتحدة الأمريكية.