تعطّل سلاسل الإمدادات في البحر الأحمر: ضربة جديدة للاقتصاد العالمي
إعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 03-07-2024
لم تكن مياه البحر الأحمر خالية من التوترات، لكن زادت حدتها بالتوازي مع بداية إعلان إسرائيل عدوانها على قطاع غزّة منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث شهدت المنطقة تكالبا عسكريا غير مسبوق تدفعه الانتهاكات الإنسانية المرتكبة في فلسطين.
ولم يتوانى الحوثيون في اليمن عن الإعلان في الدخول في خط الحرب ضد المحتل الصهيوني دعما لحركة المقاومة وسعيا لنزع المظلمة التاريخية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين.
ولم يكن لهم سوى القيام بهجمات مكثّفة على السفن الإسرائيلية التي تمر عن طريق البحر الأحمر عند مضيق باب المندب بالتوازي مع تصاعد وتيرة العنف الإسرائيلي في قطاع غزة الذي لم يتوقّف الى حدود هذه اللحظة.
وخلافا للتأثيرات الكبيرة لهذه الهجمات على حركة التجارة العالمية في البحر الأحمر، فقد برز عامل عودة عمليات القرصنة، تحديدا في المنطقة التي تقع في الجهة المقابلة لسواحل الصومال.
فيما تتمثّل أهمية البحر الأحمر في الاقتصاد العالمي؟
وكيف أثّرت هجمات الحوثي على مصالح الدول والاقتصاد العالمي؟
وماذا يمكن أن ينجر عن تصاعد الأوضاع؟
أهمية جيوسياسية واقتصادية بالغة
البحر الأحمر أو القلزم أو بحر الحبشة ضمن تسميات أخرى تُقدّر مساحة سطحه ما بين 438 و450 ألف كيلومتر مربع، يُصنّف الى جانب الخليج العربي كمدخل مياه بحر المحيط الهندي الواقع بين افريقيا وآسيا، كما يربطه مضيق باب المندب من الجنوب بالمحيط الهندي وبحر العرب وتربطه قناة السويس شمالا بالبحر المتوسط.
وبالتالي يتميّز البحر الأحمر بكونه شريط مائي بحري ونقطة فاصلة بين الجزيرة العربية وشرق افريقيا، وبذلك يصل بين القارات الثلاث (آسيا، افريقيا، أوروبا). ذلك الى جانب انّه يربط المحيط الهندي وخليج عدن وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط.
وتحيط به كل من اليمن والسعودية من جهة الشرق، ومن الشمال الأردن وفلسطين وشبه جزيرة سناء المصرية، ومن الغرب مصر والسودان وايتريا وجيبوتي.
يتمتع البحر الأحمر بأهمية كبرى تتأتى من دوره في التجارة والاقتصاد العالميين، حيث يمر ما يقارب 12 بالمائة من إجمالي التجارة العالمية عبر القناة، في حين تمثّل تجارة النفط نحو 10 بالمائة، ونسبة 8 بالمائة من تجارة الغاز المسال.
ذلك الى جانب دور ممراته الحيوي الذي يمثّل وسيلة رئيسية في نقل النفط والغاز من الخليج إلى أوروبا والولايات المتحدة الامريكية بأحجام كبيرة تتجاوز 5 ملايين ونصف مليون إلى 6 ملايين برميل نفط يوميا تمر بصفة متواترة من مضيق باب المندب وقناة السويس إلى أوروبا والولايات المتحدة.
فالنسبة الى أوروبا مثلا يكتسب البحر الأحمر أهمية استراتيجية ضخمة، حيث تمر 60 بالمائة من احتياجاتها من الطاقة عبر ممرات البحر الأحمر، وتحصل الولايات المتحدة الامريكية على 25 بالمائة من احتياجاتها من نفس المادة، ما يؤكد على الأهمية الحيوية للبحر الأحمر بالنسبة للكثير من المناطق والتأثيرات الجسيمة التي يمكن أن تلحقهم إذا تأثرت الحركات التجارية في البحر الأحمر.
ويشكّل العدد الكبير من الجزر الاستراتيجية التي يحتويها البحر الأحمر أهمية بالغة من خلال دورها في التحكم بحركة الملاحة التجارية، ولها دور أمنى كذلك ممتد على طول البحر الأحمر، ومن بين هذه الجزر جزيرة المندب ولبريم وتيران وصنابير وجوبال..
وتستفيد الكثير من الدول الواقعة قبالة البحر الأحمر من موقعها (أهمية جيوسياسية) من خلال موارد النفط والغاز التي تجعلها ذو أهمية كبرى في المجتمع الدولي تسعى دائما للحفاظ عليها بحماية التدفق الطاقوي والتجاري في الممرات البحرية لتأمين اقتصاداتها وأمنها القومي.
تكتيكات هجمات الحوثيين في المنطقة
لم تتوانى أنصار الله الحوثية عدوة الامبريالية الامريكية والإسرائيلية في تكثيف هجماتها على المحتل الصهيوني منذ بداية عدوانه على قطاع غزّة، وكان منطلق الاستهداف هو خطاب زعيم جماعة أنصار الله الحوثية عبد الملك الحوثي الذي شدّد على أنّ جماعته حريصة على رصد أي سفينة على علاقة بإسرائيل، وبناء على ذلك تصاعدت وتيرة الهجمات في الأشهر الأخيرة من العام الفارط قبالة السواحل اليمينة في البحر الأحمر لعرقلة وصول السفن الإسرائيلية في مضيق باب المندب.
ومن بين الهجمات التي تمّ رصدها، كانت في 19 من شهر نوفمبر الماضي، حيث قام الحوثيون بتنفيذ هجوم على عدد من السفن التي تقع بالقرب من باب المندب وحجزوا أيضا سفينة أخرى ذكروا أنّها على ملك رجل أعمال إسرائيلي.
كما قاموا في 9 نوفمبر الماضي بالإعلان عن قرارهم في منع وصول كل السفن باتجاه إسرائيل إن لم تكن محمّلة بالمساعدات الغذائية التي يحتاجها قطاع غزّة.
وكانت لهذه الهجمات المناصرة للفلسطينيين أثر إيجابي وفعّال بالنسبة للحوثيين على عديد المستويات سواء من ناحية تحقيق هدف الضغط على كل من الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل ضمن إطار الدعم الموجّه للمقاومة الفلسطينية بتحالف إيراني.
ومن جهة أخرى تعزيز صورة أنصار الله كقوّة إقليمية في المنطقة لها آثارها وشعبيتها بالنسبة للشعب اليمني وبالنسبة أيضا للشعوب العربية، كما لها تأثير إيجابي يتناغم مع أهداف الحوثي السياسية.
تدور الهجمات العسكرية التي يقوم بها الحوثي في البحر الأحمر في إطار الحرب بالوكالة بين إيران والولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل، وكانت هناك جملة من الاتهامات المتداولة بأن الحوثي يقوم بعملياته العسكرية بدعم إيراني، وأنّ ذلك لا يعتبر مستبعدا عن طهران باعتبارها أنّها تعتمد في حربها على استراتيجية عدم التدخل المباشر بل عن طريق الوكلاء وفقا للرواية التي يتم تداولها، في المقابل نفت ايران قطعا وجود أي تنسيق بينها وبين الحوثي أو أي من الدعم على مستوى المعلومات الاستخباراتية أو الاسلحة التي قامت بتقديمها.
من جهة أخرى أدان الاتحاد الأوروبي هذه الهجمات كونها تهدّد مصالحه في البحر الأحمر حيث قام بإرسال قوّة بحرية أوروبية (أسبيدس) لتأمين السفن في الممرات البحرية من الهجمات التي تتلقاها من الحوثيين، وذلك في إطار التحالف العسكري الدول الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية لوضع حد لهجمات الحوثيين.
في حين رفضت الصين قطعا الانضمام للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن داعية الى ضرورة ضبط النفس والتعامل مع الأحداث بحكمة وتجنّب سياسات التصعيد التي تنتهجها الولايات المتحدة الامريكية من خلال تشكيل التحالف الذي فشل بدوره فيما بعد في التصدي لهجمات الحوثي، كما حذّرت من التأثيرات الجسيمة التي يمكن أن تلحقها هجمات الحوثي على حركة التجارة العالمية ومصالح الكثير من الدول التي ترتبط بالمنطقة.
صدمة جديدة للاقتصاد العالمي
التصعيد العسكري في منطقة البحر الأحمر وباب المندب عرقل عمليات الشحن العالمية وقد أثّر ذلك بدوره على مصالح الدول (المرتبطة بالمنطقة) الاقتصادية والاستراتيجية.
نتيجة لذلك قامت عديد شركات الشحن مثل بريتش بتروليوم للنفط والغاز البريطانية وشركة ميرسك الدنماركية وهاباك لويد الألمانية… بتعليق أنشطتها وتغيير المسارات المعتادة لسفنها نحو طريق رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب القارة الافريقية ممّا أدى لزيادة المدة المخصّصة للرحلة الواحدة من 19 الى 31 يوم، وهو ما ساهم في ارتفاع تكلفة الشحن والخدمات اللوجستية بنسبة ناهزت 30 بالمائة.
ما أدّى عموما لحدوث تراجع في التجارة العالمية بسنية 1.3 بالمائة في الأشهر الأخيرة من العام الفارط.
وتشير توقعّات المحللين الى أنّ أزمة البحر الأحمر لن تقف في حدود تعطّل رحلات إمدادات التجارة العالمية، بل أنّها ستساهم في ارتفاع لا يقل عن نسبة 54 بالمائة في أسعار الغذاء والأدوية.
التأثير على جمهورية مصر العربية وقناة السويس:
أمّا فيما يتعلّق بالتأثيرات المباشرة للهجمات الحاصلة في البحر الأحمر على قناة السويس، فقد أشار أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس الى أنّ “إيرادات وعوائد القناة قد انخفضت أول 11 يوم من عام 2024 بنسبة 40 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي”..
مضيقا “أنّ حركة عبور السفن قد تراجعت بنسبة 30 بالمائة في الفترة من الأول من يناير إلى 11 من الشهر نفسه، لافتا إلى أنّ التراجع قد جاء بواقع 544 سفينة مقارنة بـ 777 سفينة العام الماضي، بينما تراجعت الحمولات بنسبة 41 بالمائة في ذات الفترة مقارنة بعام 2023”.
التأثيرات الحاصلة على ألمانيا:
أدّى الاضطراب الكبير الذي طال سلاسل الامدادات في البحر الأحمر الى تأثر قطاع الكيمياويات في ألمانيا بتراجع إنتاج الكثير من الشركات، ويمثّل هذا القطاع أهمية فائقة في ألمانيا (المرتبة الثالثة في أكبر صناعاتها) ويعتمد على قارة آسيا في ثلث وارداته من خارج أوروبا.
التأثيرات على كيان الإحتلال الصهيوني:
تراجع إيرادات ميناء إيلات الإسرائيلي بأكثر من 80 بالمائة (توقف شبه تام لوصول السفن إليه)
ارتفاع سعر شحن الحاويات من الدول الأخرى الى ميناء أسدود الاسرائيلي بنسب متراوحة بين 9 الى 14 بالمائة في فترات وجيزة و5 بالمائة عموما منذ بداية عدوانها على قطاع غزة.
أمّا بالنسبة لتكلفة تأمين السفن الإسرائيلية فقد شهدت ارتفاعا جنونيا وصل الى 250 بالمائة، وبالتالي فإنّ استمرار عرقلة وصول السلع الى إسرائيل وارتفاع تكلفتها له تداعيات كبيرة سواء على أسعار السلع الذي ارتفع بنسب كبيرة، سواء من حيث اقتصادها عموما.
التأثيرات على دولة الهند:
تمر حوالي 80 بالمائة من تجارة الهند مع أوروبا من خلال البحر الأحمر وقناة السويس، وبالتالي هناك بعض التأثيرات السلبية على الاقتصاد الهندي الدي تخفّف من حدته المعاملات مع روسيا في مجالاي الغاز والنفط.
الخلاصة:
تؤكد هذه التأثيرات السلبية لأزمة البحر الأحمر على أهمية المنطقة في اقتصادات الدول ومصالحها والاقتصاد العالمي، ومن المرجّح أن يؤدي تواصل هجمات الحوثي في البحر الأحمر الى تفاقم الازمة الاقتصادية ولجوء الدول المتضررة الى اعتماد استراتيجيات أكثر حدة في مجابهة التهديدات التي تعرقل مصالهم المرتبطة بالمنطقة.