أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

تعزيز التربية الإعلامية في الجزائر وتونس رهان الحاضر والمُستقبل؟

ان الحملات التضليلية التي تُطال كل من تونس والجزائر، لا سيما بعد ابرام اتفاقية التعاون العسكري بين الدولتين بتاريخ 7 أكتوبر 2025، يدل على أن هناك من يُزعجه التقارب الجيوسياسي بين تونس والجزائر والأهم من ذلك أنه لا يكترث لمصلحة الشعبين بل على العكس، فهذا التعاون عليه ان ينكسر ولو كان القيد هو الشعب.

ما يهمنا في تحليلنا هذا ليس التركيز على من يقف وراء ماذا؟

ولكن من طالعوا بالتحليل كتاب المتلاعبون بالعقول لهربرت شيلر، سيدركون ان الخطاب المهم ليس ما يُقال ولكن مالم يُقال؟ بعبارة أخرى لماذا قالوا هذا ولم يقولوا شيئا آخر؟

بالمختصر لماذا ركزوا على التعاون العسكري تحديدا، ولم يركزوا على عدد الاتفاقيات الاقتصادية المُبرمة بين البلدين والتي لا يُستهان بها؟

 لماذا تُزعجهم الشراكات الأمنية ولا تُزعجهم الشراكات الاقتصادية؟

أسئلة لا بُد من طرحها حتى يتسنى لنا أن نستوعب آليات التأطير والبروز في الخطاب التضليلي والتي قد تصنع واقعا لا يتماشى بالضرورة مع مصالحنا، قيمنا وتاريخنا المشترك

ان تقاطع السرديات بين الابواق المخزنية، الفرنسية والمعارضة يهدف أساسا لصناعة واقع مُضاد وابعاد عقل المواطن التونسي والجزائري على حد سواء عن هكذا طرح وتفكير، بعبارة أخرى القضاء على الوعي وعلى ما يُمكن أن يصبو للذكاء الجمعي.

  • أنت لا تُفكر اذن انت غير موجود

حملات التضليل التي تنتشر بشكل كبير كنتيجة للاضطراب المعلوماتي واصابة المواطن اليوم بظاهرة اراها في تقديري المتواضع تصنف ضمن الامراض المزمنة الا وهي التخمة الإعلامية، تتجذر بشكل أكبر في بيئة مواتية، بيئة لنقُل أن لها القابلية لتبني هكذا ظواهر، أي مع سبق الإصرار والترصد، فإلغاء الفكر، الفضول والبحث عن الحقيقة كسلوك انساني يُجسد الوجود الانساني يؤدي الى الغائنا كشعوب قادرة على التفكير بعقولها ووضعنا في خانة الشعوب التي يُفكَرُ لها وعنها.

اذن الحملات التضليلية هي في الواقع أيضا حملات تذليل لشعوب تمردت، وثارت ضد المُستعمر الغاشم، وتسعى أساسا لإلغاء هاته الشعوب من خلال دفعها نحو تطرف فكري لا يقبل النقاش، لا يقبل الطرح وباختصار لا يقبل حتى الآخر!

وإذا كان مبدأ أبو الفلسفة الحديثة الفيلسوف رينيه ديكارت في مسألة الوجود الإنساني مُرتبط أساسا بالفكر، امتثالا لمقولته الشهيرة “انت تُفكر اذن انت موجود” فان الحملات التضليلية لها مبدأ عسكي تماما وهو الغاء الانسان ككل أيا كانت انتماءاته الجغرافية، قدرته على التفكير وجعله محصورا في سلوكات شرطية تذكرنا بتجربة العالم الروسي بافلوف،

هل يتوقف الأمر هنا؟

طبعا، لا! الحملات التضليلية تسعى للارتقاء من التصديق بالأخبار الكاذبة الى مستوى أخطر وهو ما بعد الحقيقة أو ما بعد الحدث، وهو المستوى الذي يُصبح فيه المواطن مخدرا معلوماتيا، ومُبرمجا عاطفيا لتصديق السردية التضليلية فقط لا غير، وحتى إن قُدمت له الأدلة الدامغة لن يُصدقها، وهذا يتحقق في إطار العزلة الفكرية التي تفرضها وتُعززها الخوارزميات، والتي للأسف لا نمتلك أي سلطة عليها،

ان وصول الشعوب لمرحلة ما بعد الحقيقة خطير جدا، ولقد دفعت الجزائر ثمن الاصطدام بما بعد الحقيقة، ثمنا باهظا، عشر سنوات من الإرهاب راح ضحيتها 200الف قتيل، ولم يكن لها أن تنتصر لولا تفطن الشعب ووعيه،

بالرجوع لهاته الحملات التضليلية التي تُطال تعاون عسكري ليس الأول من نوعه، فعلينا ان نعي انها ليست الأولى من نوعها هي الأخرى ومن المؤكد انها لن تكون الأخيرة، بل علينا ان نكون جاهزين لحملات تضليلية أكثر حدة وشراسة، لكن هل من حل؟

الإجابة نعم، هناك حل لكن، من العبارات الشهيرة للرئيس الأمريكي السابق ازنهاور “ما هو مهم ليس بالضرورة مستعجل وما هو مستعجل ليس بالضرورة مهم” هاته المقولة صالحة عندما تتحكم الدول في الحتميات، لكن سواء تعلق الامر بالجزائر أو تونس فالحتميات تُفرض عليهما، لا الفضاء الرقمي الذي تنتشر فيه الاخبار الكاذبة فضاؤهما ولا آليات التحكم فيه آلياتهما، وعليه فان ما يُفرض عليهما لابُد من التعامل معه على أساس الأهمية والاستعجالية، ومن ثمة فان نعم المُطمئنة، اطمئنانها مُرتبط بأدراكنا للمهم والمستعجل

ان اهم رهان وتحد للدولتين اليوم هو استقلالية وسيادة العقول، وتوفير بيئة قادرة على احتواء هاته العقول بمسؤولية، عدا ذلك فنحن نوفر عقولا جاهزة لحملات تضليلية، مانحينا بذلك سلاحا يُستغل ضدنا بأيدينا

سيادة العقل في مجتمعات هي اهل بالتفكير ومهد التحليل الخلدوني هو ما سيحصن الجبهة الداخلية التونسية والجزائرية، وإذا ما ركزنا على ظاهرة التضليل، فان التربية الإعلامية بما تقتضيه من اكتساب لمهارات التحقق من المعلومة، مصدرها، أهدافها، وتعزيز التفكير النقدي كفيل بضمان استقلالية الخيار والقرار وهي حتمية لابد من ترسيخها كثقافة تُمكن المواطن لأن يكون فاعلا حقيقيا بكل مسؤولية،

إن التربية الإعلامية وتعزيز الفكر النقدي، هي جزء لا يتجزأ من استراتيجيات تعزيز الجبهة الداخلية، هي جزء من الأمن، وداعم أساسي لبناء المواطنة الرقمية.

يمثل النهوض اليوم بالتربية الإعلامية في الجزائر وتونس حجر الزاوية لتنشيط الوعي المجتمعي وضمان التفاعل الإيجابي مع المضامين الإعلامية والرقمية. هذا المسار يتطلب شراكة حقيقية بين التعليم، الإعلام والمؤسسات الحكومية، إذ يظل الاستثمار في عقل الفرد هو السبيل الأمثل لتحقيق الأمن والاستقرار لكلا البلدين

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق