أخبار العالمأمريكا

الإنهاك والتآكل البطيء.. أسلوب الإمبريالية في إخضاع الشعوب

واشنطن-الولايات المتحدة-04-01-2021


ألقى الخبير في الإستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات التابع لكلية الحرب الأمريكية، ماكس مانوارينغ،محاضرة في فلسطين المحتلة،في الأول من ديسمبر 2018،حضرها عدد من ضباط جيش الإحتلال الإسرائيلي،وهي نفس المحاضرة التي ألقاها أمام كبار ضباط حلف الناتو،واستهلها بالقول إن أسلوب الحروب التقليدية صار قديماً، والجديد هو الجيل الرابع من الحرب.

ويكشف بوضوح كل الغاز الخراب الحاصل في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط منذ سنوات، وهو أيضاً خبير الجيل الرابع من الحروب ، أو الحرب بالوكالة، حسب تعبيره. :

وأضاف:” ليس الهدف تحطيم المؤسسة العسكرية لإحدى الأمم، أو تدمير قدرتها العسكرية، بل الهدف هو : الإنهاك والتآكل البطيء، لكن بثبات واستمرار ، والهدف هو إرغام العدو على الرضوخ لإرادتك.

وذكر أن” الهدف هو زعزعة الإستقرار وهذه الزعزعة ينفذها مواطنون من الدولة العدو لخلق الدولة الفاشلة ما يهدد فكرة سيادة الدولة العدو” عبر”التحكم بإقليم وجعله خارج سيطرة الدولة تتحكم به مجموعات غير خاضعة للدولة، محاربة وعنيفة وشريرة، وهنا نستطيع التحكم ، وهذه العملية تنفذ بخطوات ببطء وهدوء وباستخدام مواطني دولة العدو ، هنا سوف يستيقظ عدوك ميتاً”.

هذه المحاضرة التي قيل إنها أخطر محاضرة في التاريخ الحديث توضح كل ما جرى من حروب وصراعات مسلحة أهلية ومن قوى محلية شريرة ومحاربة وعنيفة.

و لا يمكن أن يتم ذلك من دون “أشرار وعنيفين” وتوظيف الدين لهذا الهدف، والدين أكبر محفز لتحقيق ذلك، لتحمل مشاق حرب طويلة وتحمل الموت مع الوعد بالآخرة و بفردوس هديته الكبرى بعد الموت، وأكثر ما يلفت الإنتباه في هذه المحاضرة المسجلة هو شريط فيديو جاءت فيه حرفياً
عبارة: ” الإنهاك ، والتآكل البطيء”.
ولكن لماذا لا يتم الإنهيار السريع بدل التآكل الهادئ. والبطيء ؟

هذا هو الجزء الأخطر في محاضرة خبير الجيل الرابع من الحروب ، أي حروب الوكالة التي ينفذها بتعبيره “مواطنون محليون” بدعم عسكري وسياسي أمريكي. أو من دولة عظمى أو دولة تابعة لدولة عظمى.. كل الدول العظمى تستخدم هذا الأسلوب فيما بينها ، وبين الدول الأخرى.. التآكل البطيء يعني خرابا متدرجا للمدن ، وتحويل الناس إلى قطعان هائمة ، وشل قدرة البلد العدو على تلبية الحاجات الأساسية ، بل تحويل نقص هذه الحاجات إلى وجه آخر من وجوه الحرب، وهو عمل مدروس ومنظم بدقة.

البروفسور وهو ليس خبير الجيل الرابع للحروب فحسب، بل ضابط مخابرات سابق، لا يلقي المحاضرة في روضة أطفال ولا في مركز ثقافي، بل لجنرالات كبار في حلف الناتو، لا تظهر وجوههم في التسجيل، وفي عبارة لافتة في المحاضرة يقول بوقاحة مبطنة مخاطباً الجنرالات:

” في مثل هذا النوع من الحروب قد تشاهدون أطفالا قتلى أو كبار السن أو نساء ، لكن علينا المضي مباشرة نحو الهدف”، بمعنى لا تتركوا المشاعر أمام هذه المشاهد تحول دون” الهدف”.

وهذا هو الأسلوب المطبق في العراق وسوريا واليمن وفي أفغانستان وليبيا وفي الصومال، وغداً لا ندري أين..
استراتيجية الإنهاك تعني نقل الحرب من جبهة إلى أخرى، من أرض إلى أخرى، استنزاف كل قدرات الدولة العدو على مراحل، وجعل ” الدولة العدو” تقاتل على جبهات عدة محاصرة بضباع محليين من كل الجهات، وتسخين جبهة وتهدئة أخرى، أي إدارة الأزمة وليس حلها لكي لا يتم انهيار الدولة السريع، لأن الإنهيار السريع ، يسبب فوضى غير منضبطة، وأفضل الطرق هو التآكل البطيء، بصرف النظر عن وقوع ضحايا أبرياء لأن الهدف وهو السيطرة وتقويض الدولة والمجتمع أهم من كل شيء، أي محو الدولة والمجتمع عبر عملية طويلة.

هذا المخطط الذي يعترفون به ويدرّسونه، مطبق وممارس منذ سنوات، لكن عبر طرق ملتوية ومموهة، ومغطاة بشعارات صاخبة من حقوق الإنسان والديمقراطية.

الإستراتيجية مستمرة، ومعلنة وممارسة، وأكبر من يغطي عليها ويبحث عن أسباب لهذا المحو المنظم،هو نحن مرة بتجريم التاريخ، ومرة أخرى الدين وثالثة ثقافة العنف المتوارثة في الجينات، لخلق عقدة الشعور بالدونية ..قد يكون من حق ماكس مانوارينغ وقادة الجيل الرابع من الحروب / حروب الوكالة / الممولة بالدولار ، والسلاح أن يشربوا الويسكي ضاحكين، لأننا نقتل بعضنا، باسم الله، والدين، والوطن ببطء ونتآكل بهدوء وثبات دون أن نعرف وجوه القتلة الحقيقين، وهي أكثر وضوحاً من وجوه القتلى الأبرياء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق