تركيا توظف القوة العسكرية في سياسة إقليمية ممنهجة
قسم البحوث والدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية وقسم العلاقات الدولية 02-03-2024
وسّعت تركيا مؤخراً من بصمتها العسكرية في ساحات القتال المختلفة، في سوريا وليبيا وأذربيجان، بشكل أثار التساؤلات حول وجود سياسة عسكرية ودفاعية جديدة.
فمنذ العام 2016، شنّت تركيا ثلاث عمليات عسكرية كبرى في عمق الأراضي السورية وخلالها عَبَرَ الآلاف من جنود القوات التركية الحدودَ التركية-السورية لمواجهة “تنظيم داعش” أنذلك حيث كان التحدي الأبرز بالنسبة لتركيا تمثل في انتشار الجماعات المسلحة المشككة في الحدود القومية للدول، وتنامي الرغبة الكردية في الاستقلال على مستوى حدودها مع العراق.
في العام 2020 اشتبك الجيش التركي بشكل مباشر مع القوات الحكومية في إدلب، وفي العام ذاته قدَّمت تركيا دعماً للقوات الأذربيجانية في صراع إقليم ناغورنيكاراباخ، ناهيك عن انتشار وكلائها في بعض الأجزاء من سوريا وليبيا.
وعلى صعيد آخر، برزت تركيا كمنافس نشط على جيوسياسية الطاقة في البحر الأبيض المتوسط، رهان يحتاج إلى استخدام “إستراتيجية بحرية معسكرة”.
الترفيع من معدل الإنفاق العسكري واستراد الأسلحة المتطورة
انتشار عسكري موسع تزامن مع حصول مؤشرات عديدة، إذ بلغت نسبة الإنفاق العسكري عام 2019 2.7% من الناتج المحلي التركي، وبذلك تتجاوز تركيا متوسط إنفاق دول حلف الناتو البالغ 1.8% عام 2019، وفقاً للمعهد الأسترالي للشؤون الدولية.
فضلاً عن الدعم المتزايد لصناعاتها العسكرية المحلية، إذ أصبح لديها 7 شركات في قائمة أفضل 100 شركة دفاعية في العام 2020.
وتشير الخطة الإستراتيجية 2019-2023 التي نشرتها رئاسة الصناعات الدفاعية التركية إلى زيادة توطين المنتجات الدفاعية لتصل إلى 75% بحلول عام 2023
الانتشار العسكري الموسع
تقوم تركيا بنشر وحداتها العسكرية في مناطق مختلفة من العالم، كما في قاعدتها العسكرية في الصومال، والقاعدة العسكرية المشتركة في قطر، والوجود العسكري التركي في قبرص منذ العام 1974، وقوات حفظ السلام التركية في أفغانستان، وقد كانت مهمة هذا الوجود العسكري تقتصر على التدريب وتقديم الاستشارات فقط.
لكن أصبح الجيش التركي مؤخراً يضطلع بمهام جيوسياسية تخدم الأطر المصلحية التركية، ودعوات الرئيس رجب طيب أردوغان في اكتساب مكانة إقليمية، ونتج عن اتباع هذه الاستراتيجية العسكرية بالنسبة لصناع القرار التركي أن حققت تركيا حضوراً في ساحات الصراع المختلفة بدءاً من سوريا وليبيا ووصولاً إلى أذربيجان.
استعادة المكانة الإقليمية للإيالة العثمانية: شعبية أردوغان
إن استعادة المكانة الإقليمية للبلاد تُعد جزءاً من تصورات وأهداف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وقد أتاحت التعديلات الدستورية في جوهر الحكم وفي الهيكل السياسي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي عام 2017 بأن يصبح الرئيس في تركيا يؤدي دوراً كبيراً مدعوماً بسلطات عدة لإدارة العلاقات المدنية العسكرية، وفاعلاً قوياً في البنية العسكرية والدفاعية، وقد بدأت هذه التحولات في بنية الدولة والمجتمع بالظهور بعد محاولة الانقلاب العسكري منذ 2015، حيث أصبحت السياسة العسكرية تخضع لتفضيلات الرئاسة وتوجهاتها.
الملف الطاقي: تركيا تراهن على البحر الأبيض المتوسط
وفقاً لموقع “ING” المختص في التحليلات الاقتصادية والمالية يُشكل الطلب على الطاقة أحد الأعباء الرئيسية على الاقتصاد التركي، ففي العام 2019 بلغت تكلفة الطاقة في تركيا حوالي 41.7 مليار دولار، ما يمثل 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
ولذلك فإن التنقيب التركي في البحر المتوسط والبحر الأسود سيُساهم في التقليل من اعتمادها على الطاقة من الخارج بشكل كبير ناهيك عن العوائد الاقتصادية المتوقعة.
يؤدي التنافس على الطاقة والترويج للصناعات الدفاعية إلى مزيد من الإنفاق والانتشار العسكري، وقد أبرزت تركيا التكنولوجيا العسكرية الخاصة بها من خلال استخدامها بشكل ملفت في العديد من أماكن الصراع ضد “داعش” ووحدات الحماية الكردية في سوريا وحزب العمّال الكردستاني في العراق، وضد الجيش الأرميني في “ناغورنيكاراباخ” ويربط الكثير من الباحثين والخبراء توظيفَ تركيا لقوتها العسكرية بالزيادة التدريجية في وتيرة صناعاتها الدفاعية والعسكرية، حيث تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من معداتها وأدواتها العسكرية بما يشمل إنتاج الطائرات دون طيار، والمركبات المدرّعة والصواريخ ذاتية الدفع، والأسلحة محلية الصنع هذا وتمتلك تركيا ما يقارب من 16 فرقاطة و10 طرادات و35 سفينة دورية و12 غواصة وهذا يدل على تفوقها من منظور القوة في منطقة الشرق الأبيض المتوسط.
خلاصة :
تتصدر الولايات المتحدة الأميركية وأذربيجان وقطر والإمارات وألمانيا وأوكرانيا قائمة الدول الأكثر إقبالا على شراء منتجات الصناعات الدفاعية من تركيا.
وعلى الرغم من المشاكل العميقة بين تركيا وبعض هذه الدول في العديد من الملفات، ومن بينها صفقة الصواريخ الروسية، فإن أميركا تصدّرت قائمة الدول الأكثر استيرادا للمنتجات الدفاعية والجوية التركية خلال الآونة الأخيرة بما يضفي غموضا لا متناهيا حول مدى نزاهة المعايير التي تعتمدها تركيا في التعامل مع ملفات القضايا الإقليمية والدولية .