أخبار العالمإفريقيا

المنصف المزغني: التونسيةٔ أدركت أنها قادرة على فرض وجودها والقيام بأدوار لم يتخيّلها مؤلّف مسرحية

تونس-زهور المشرقي-15-2-2021

تواجه المرأة التونسية،اليوم، ظروفا صعبة في ظل وضع سياسي واجتماعي معقد، منذ 2011،صاحبه ارتفاع منسوب العنف، وهو ما ترجمته الأرقام والإحصائيات التي قدمتها الجمعيات النسوية التونسية التي أطلقت صيحة فزع مفادها:” أوقفوا استهداف نساء تونس وبناتها”.

وأرجع مختصون ارتفاع هذا المنسوب إلى تشابك الخلافات بين الرؤوس المتعددة التي تدير دفة الحكم وبعض النخب الإنتهازية والتيارات الظلامية التي استغلت هامش الحرية لفرض أجندتها الرجعية، وهذا الواقع دفع بشرائح واسعة في المجتمع، بما في ذلك منظمات وأحزاب على غرار “الحزب الدستوري الحر”الذي ترأسه المحامية عبير موسي، إلى الحنين إلى الزعيم والأب الروحي للتونسيات، الحبيب بورقيبة واستلهام مواقفه وهو الذي بادر في وقت صعب مباشرة بعد الإستقلال عام 1956، بإصدار مجلة الأحوال الشخصية التي أقرت حقوق المرأة ومنع تعدّد الزوجات، وقام بثورة ثقافية جعلت من نساء تونس في مقدمة نساء المنطقة العربية من حيث الحريات والتمتع بالحقوق، الأمر الذي فتح آفاقا واسعة أمام التونسيات للتألق والإبداع،وكانت أول عربية تقود الطائرة هي التونسية علياء المنشاري عام 1962،على سبيل المثال لا الحصر،وقد يبقتها قبل ذلك بسنين أول طبيبة هي الدكتورة توحيدة بالشيخ.. ولقد واجه بورقيبة، الذي آمن بالتعدد وتعليم المرأة وحريتها، بقوة سلطته وفكره كل المصاعب.

إن تصادم التيارات والفوضى الحزبية التي تعيشها تونس ألقت بظلالها على واقع المرأة التونسية إلا أنها- بحكم تجربتها النضالية-تواصل مسيرة التحدي وشق طريقها بثقة واقتدار لفرض إرادتها ومكانتها والمساهمة في دحر التيارات الظلامية.

وفي حوار مع صحيفة ستراتيجيا نيوز ، يحذر الشاعر التونسي الكبير،المنصف المزغنّي، من ارتفاع نسب العنف ضد النساء، لافتا إلى أن العنف قديم ضد المرأة في المجتمعات الأبويّة ، ولم يكن الأمر كذلك في المجتمعات الأموميّة التي كانت وبادت وانتهت، وفي التاريخ التونسيّ تألقت أكثر من امرأة أمثال علّيسة والجازية الهلالية ..

إلا أنه عبر التاريخ أيضا غالبا ما تمّ استبعاد المرأة من حياة المجتمعات القديمة التي كانت قائمة على سياسة الحرب والغزو، ، فالرجل هو الذي يحارب ويموت ، والمرأة هي التي تنجب الجنود ، لكنّ الأمور اختلفت كثيرا في عصورنا الحديثة التي اتّسمت بالتعليم الذي شمل المرأة، وقد ساهم فيها رجال بدفع النساء إلى التعلّم والمعرفة ، حين أثبتت المرأة قدرتها ، لا على إدارة البيت وحسب ، بل كذلك على المشاركة في صناعة الحياة” .

ويتابع المزغنّي، ” في تونس، كان من حظ المرأة أن أنجبت رجالاً كثيرين فتحوا الطريق أمام تعليم البنات ، وربما اختصرنا قائمة هؤلاء الرجال في رجليْن : الأوًل : مثقف كاتب ثائر هو الطاهر الحدّاد ( 1899 – 1935 ) وقد عبّر عن آرائه في كتاب أسماه ( امرأتنا في الشريعة والمجتمع ) والثاني : قائد متنور مثل الحبيب بورقيبة ( 1903_ 2000) وقد كرّس الإثنان حياتهما دفاعا صادقا لا التباس فيه ولا تراجع عنه في صالح المرأة وتعليمها ، وأعتقد أنهما كانا يدركان أهميّة التقدّم الاجتماعي ، وكانا يلحّان على أنّ ما ينتظر المرأة من أدوار في صناعة مجتمع متعلّم ، هو أكبر من مجرد تفريخ النسل وإدارة البيت.

ومن هنا صار على المرأة أن تجاهد من أجل أن تثبت جدارتها الذهنية والقيادية في الإسهام والتقدم الاجتماعي والثقافي والسياسي والعلمي وغير ذلك من مجالات الوجود الإنساني والاجتماعي” .

وفي سؤال الصحيفة، عن مدى نجاح المرأة التونسية اليوم في تحقيق العدالة، يجيب الشاعر بالقول: إنّ المرأة قادرة ، كإنسانة ، وصاحبة فكر وجهد ، أن تجعل المجتمع أكثر عدالة إذا استطاعت أن تخرج عن الدور المرسوم لها مسبقا في المسرحية الذكورية التي ألّفها الرجال وأخرجها الرجال ، وأسندوا فيها دورا خفيّا وتحجيميّا للنساء .

وخلال كل المحطات التي مرت بها تونس بعد الإستقلال، أدركت التونسيةٔ أنها قادرة على فرض وجودها ( الإنساني ) داخل مجتمع ذكوري رجولي أبويّ ، وعلى القيام بأدوار لم يتخيّلها مؤلّف مسرحية ( تقسيم عادل للعمل بين الرجل والمرأة ) .


‎* المرأة .. صديقة الرجل


‎ويرى الشاعر التونسي أن المرأة لا تستحقّ كلّ هذا الحجاب المنسدل على دورها ، وما يجب أن تقوم به في مجالات كانت محصورة ومقصورة على الرجال فقط، والواقع أن كل نضال يستوجب تضحية وثمنًا .

والملاحظ أن كل النساء اللواتي مهّدن دروب الحرية للمرأة ، كنّ يتمتّعن بصفة مهمة هي القدرة على المواجهة ، والصبر على الأذى ، والإيمان بأنّ للحرية ثمنًا قد يكون باهظا على الجيل المبادر بالمقاومة ، وهو ثمن لا بدّ من دفعه ، لأنّه ، كما أثبتت قوانين النضال ، هو الضامن الضروري لتعديل موازين القوى بين البلدان القوية والبلدان المستضعفة ، وهذا النضال ، في كل مجالات الحياة لتعديل اتجاهات البوصلة الذكورية ، وتحديد الوجهة الصحيحة لتطور المجتمعات البشرية، قائم في كل مجالات الحياة على ضفتيْن، هما آدم وحواء أو حوّاء وآدم “.

ويتابع الشاعر الداعم للقضايا النسوية في تونس، “على مدار الزمن ، تعرّضت المرأة للإستفزاز في المجتمع الذكوري الغالب ، ولا مناص من التربية الجنسية وتحديد منهج لها ( وان لزم الأمر تدريسها بصفة منفصلة : تدريس الذكور على حدة ، والإناث على حدة ) ، مع العلم أن ما يتوفر الآن من وسائل المعرفة المتاحة على ( النت ) يمكن أن يسد كل هذا الفراغ”.

والمرأة، وفق المزغني ، “قادرة أيضا على ترويض الرجل إذا استشرس حاله معها ، ويلزمها ، في هذه الحالة ، كثير من المعرفة بالرجل في مجتمع غريب يغفر للرجل ما لا يغفره للمرأة ، وهذا الغفران يأتي حتى من المرأة ، وكأننا في مشهد غريب حيث المرأة تقف ضد المرأة ، أي الجنس نفسه يقف ضد نفسه”.

وبخصوص ما وقع مؤخرا في البرلمان التونسي وأثار جدلا واسعا، يعلّق ضيفنا قائلا:”ما رأيناه في البرلمان ، من مواقف حيال النائبة عبير موسي ، هو موقف مزدوج ، أي أنه كان موقفا سياسيا وجنسيا في آن معًا ، ممّا جعل التقييم ملتبسًا، فهي من الناحية السياسية تمثل حزبا يتخذ من بورقيبة صورة من الماضي الذي له نظرة دينية تتسم بالإعتدال وترفض المغالاة وخلط الدين بشؤون إدارة المجتمع، كما أنها تنتمي إلى ما تسميه سيمون دي بوفوار( الجنس الثاني )،وهكذا فإن عبير موسي مثّلت الضدّية التامة لأمريْن لا يريدهما تيار الإخوان المسلمين في تونس ونوابه ممثلين في حزب حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي، وكانت نظرة عبير موسي قائمة على ركيزتين هامتين: اعتبار الدين لله ، لا للحكم وفق الشريعة”، ويعتبر بورقيبة السجّان التاريخي للإخوان المسلمين في تونس”.

وإجابة على سؤال حول كيفية محاربة ماأسماه “الاستفزاز الذكوري”،قال المزغنّي:

“بالمعرفة ، والحكمة ، والصبر ، يمكن للمرأة أن تروّض الرجل النّمر الذي تستفزّه امرأة لسبب بسيط هو كيف للمرأة أن تعرف أكثر من الرجل ؟ وكيف يمكنها أن تقدّم لبلادها أكثر مما يقدّمه بعض الرجال؟

ويؤكد أن المعرفة سلطة ، والحكمة عقل ، والصبر هو سلاح القدرة على مجابهة قرون من التحجر والجمود مما أفضى الى إقصاء المرأة ونكران أي دور ممكن لها في الشأن العامّ ، ولاشك في أن تقارب الناس في عصر الملتيميديا من شأنه أن يسرّع في إيقاع هذه النزعة التي تذهب بالمرأة نحو مزيد من المساواة في الحظّ ، وفي المشاركة التي قد تلاقي التفوق والنجاح ( كما قد تلاقي الفشل الذي طالما لاقاه الرجال ) وتبقى المرأة ، على مستويات كثيرة ، أمام امتحان اسمه : الرهان والتحدّي ، وضرورة كسب الرهان وخوض التحدّي” .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق