تحت ضوء الانتخابات: كيف يعيد الشعب التونسي تشكيل مساره الديمقراطي؟ مداخلة للدكتورة بدرة قعلول
إعداد المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية 08-10-2024
في مداخلة للدكتورة بدرة قعلول، مديرة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية، على قناة الجزائر الدولية، تناولت خلالها الانتخابات الرئاسية التونسية التي جرت في السادس من أكتوبر 2024. قدمت قعلول رؤيتها حول هذه المحطة السياسية الهامة في مسار تونس الديمقراطي، مشيدة بوعي الشعب التونسي ونجاحه في تخطي العقبات الداخلية والخارجية، مما جعله يكسب معركة الديمقراطية مرة أخرى بالكثير من الوطنية والوعي الوطني.
الاحتفال بالنتائج ونجاح الشعب
استهلت الدكتورة مداخلتها بتوجيه تهنئة للشعب التونسي على نجاحه في العملية الانتخابية، مؤكدة أن الشعب استطاع فرض كلمته من خلال إقباله على التصويت والتعبير عن فرحته بالنتائج في شارع الحبيب بورقيبة. ورغم ما وصفته بالتدخلات والمكائد سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، إلا أن تونس أثبتت قدرتها على تخطي هذه التحديات وتحقيق نجاح ديمقراطي جديد. وشددت على أن العملية الانتخابية لم تسجل أي خروقات تذكر، ما يعكس جهود جميع الأطراف المعنية في تأمين سير العملية بشفافية ونزاهة.
كما أشارت قعلول إلى مستوى الوعي الكبير الذي أظهره الشعب التونسي خلال هذه المحطة، مشددة على أن هذه المرحلة ليست سوى بداية لتحقيق تطلعات أكبر للشعب التونسي وللمواطن الذي سيعمل من أجل القيام بواجبه تجاه وطنه والفوز بحقوقه.
فبعد الانتخابات، أصبح من الضروري التركيز على المستقبل، والعمل على دعم الرئيس قيس سعيد في استكمال مسار الإصلاحات خلال فترة ولايته القادمة، دون التفكير في العودة إلى الوراء أو التراجع عن المكتسبات الديمقراطية وخاصة تطهير الدولة من اجل الاصلاح والحغاظ على السيادة الوطنية.
ثلاث سنوات منذ 25 جويلية من التحضير للمرحلة الإصلاحية
الدكتورة بدرة قعلول أوضحت أن فترة الخمس سنوات الماضية خلال حكم قيس سعيد كانت بمثابة مرحلة تحضيرية أو تمهيدية لبداية الإصلاحات الكبرى. فقد بدأت هذه المرحلة بشكل فعلي في 25 جويلية، وهو تاريخ يشير إلى انطلاق عملية الإصلاح في تونس وخاصة تصحيح المسار.
في هذا السياق، لخصت قعلول هذه المرحلة بثلاث شعارات رئيسية تمحورت حول: تحقيق الاستقرار، ترسيخ السيادة الوطنية والوقوف في وجه الهيمنة والتدخلات الخارجية، وأخيراً محاربة الفساد وتقديم الفاسدين للمحاكمة. وأضافت أن هذه النقاط كانت المحور الأساسي وكانت المطلب الرئيسي للشعب التونسي وقد أوفى الرئيس قيس سعيد بوعوده ولهذا عاود الشعب التونسي ثقته للرئيس سعيد من أجل استكمال مشروع الإصلاح الذي بدأ فيه فعلا.
مخاوف من العودة إلى الوراء
أشارت قعلول إلى أن الإقبال الشعبي على التصويت تزايد في الساعات الأخيرة من يوم الانتخابات بعد عزوف ملحوظ في بداية اليوم، مؤكدة أن هذا التغير يعود إلى خوف المواطنين من العودة إلى “العشرية السوداء” التي لم تندمل بعد جراحها والتي كانت ولا تزال سببا في تعثر البناء والتقدّم في تونس. فكل المرشحين المنافسين للرئيس قيس سعيد في الانتخابات كانوا منخرطين في تلك الفترة التي شهدت أزمات سياسية واقتصادية حادة، وهو ما دفع الناخبين إلى اختيار مسار الإصلاح مع الرئيس سعيد وتجديد ثقته به.
الدكتورة نوهت أيضاً إلى الدور البارز الذي تلعبه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تأمين العملية الانتخابية وضمان نزاهتها. فرغم المحاولات المتكررة لبعض الأطراف السياسية المرتبطة بالعشرية السوداء للطعن في النتائج، أكدت قعلول أن الهيئة أثبتت جديتها وشفافيتها، وحافظت على ثقة الشعب التونسي بها. وأوضحت أن هذه الأطراف تحاول إجهاض العملية الديمقراطية وخلق مناخ من انعدام الثقة لتشويه صورة الانتخابات.
المعارضة بين النقد والمشاركة
وفيما يتعلق بالمعارضة، قالت قعلول إن هناك فرقاً كبيراً بين معارضة النظام وبين معارضة الدولة نفسها. فمن الطبيعي أن تكون هناك أحزاب معارضة للرئيس الفائز، لكن لا يجب أن تتحول هذه المعارضة إلى معارضة للدولة التونسية ومحاولة هدم مؤسساتها فليس من المعقول ان تحارب النظام من خلال الإطاحة بالدولة وهذا يعبر عن عدم نضج المعارضة التي تعمل من أجل مصالحها الضيفة جدا والمشخصنة.
وأكدت أنه رغم محاولات بعض الأحزاب السياسية طرح مشاريع إصلاحية، إلا أن هذه المحاولات لم ترقَ إلى مستوى التوقعات، حيث غلبت المصالح الشخصية على الأجندات الحزبية، مما جعل هذه الأحزاب تفشل في تقديم بديل فعلي لأنها بإختصار لم تقم بنقدها الذاتي ولم تقم بمراجعاتها وبالتالي مازالت شعاراتها نفسها ومازالت ممارساتهم نفسها وبالتالي عاود الشعب سحب الثقة منهم ونتمنى ان يستفيقوا ويقوموا خاصة بمراجعاتهم الداخلية والخارجية وخاصة اعادة صياغة مفهوم الدولة لديهم.
التطلع إلى المستقبل والتركيز على حرية التفكير
اختتمت قعلول مداخلتها بدعوة جميع الأطراف إلى الالتفاف حول مصلحة تونس والعمل معاً على بناء المرحلة المقبلة. كما شددت على ضرورة أن تقبل المعارضة نتائج الانتخابات بروح رياضية والتصالح معها، مؤكدة أن المرحلة القادمة تحتاج إلى جهود الجميع سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي. وأضافت أن بناء تونس الجديدة يتطلب الابتعاد عن السياسات التي تهدم المؤسسات الديمقراطية والالتفات إلى خدمة الوطن والمواطنين.
في الختام، بالرغم من التحديات الداخلية والخارجية، أظهرت الانتخابات أن تونس ما زالت قادرة على التقدم نحو بناء دولة ديمقراطية قوية ومستقرة، قائمة على مبادئ السيادة الوطنية ومكافحة الفساد والبناء والإصلاح.