بين القانون و السياسة : تشتت المسار الدستوري في ليبيا
تونس في 09/03/2021
تقرير قسم البحوث و العلاقات الدولية بالمركز الدولي للدراسات الاستراتجية الامنية و العسكرية
تقرير : رباب حدادة
محاولات علاج القضية الليبية اقتضى تقسيم الملف إلى مسارات متعددة تسير بالتوازي و تفك عقدها واحدة تلك الأخرى وتتباين أهمية كل مسار حسب تغير الوضع في الدولة فان بقي المسار الأمني و العسكري تحت الضوء في السنة الماضية إلا أن إرساء سلطة سياسية أصبح ضرورة قصوى فتركزت كل الجهود في ترميم مسار الدستوري منذ 2011 إلا انه كلما اكتمل تحطم.
حل عقد أزمة سياسية تبلغ من العمر قرنا بدا يأخذ ملامحه فعليا في مشاورات الغردقة المصرية من خلال جولات مفاوضات متعددة، ففي سبتمبر 2020 تم وضع الأسس لتامين المقرات الجديدة للحكومة و المجلس الأعلى كما تم النقاش حول توحيد المؤسسة العسكرية غير أن المفاوضات لم تكن ناجحة فعليا بما أن كل الأطراف يشوبها الشك و الخوف من التخلي عن نفوذها العسكري ميدانيا في سبيل سلطة قوة موحدة و مشتركة.
تواصلت المشاورات حول المسائل الدستورية في جولة ثانية في مدينة الغردقة بين 18 و 20 جانفي 2021 وقد أشرفت عليه اللجنة الدستورية التي يشكلها وفدي مجلس النواب و المجلس الأعلى للدولة
( 10+10) إلى جانب حضور رئيس المفوضية العليا عماد السايح.
أهم النقاط المتفق عليها في هذه المشاورات هي إجراء استفتاء الدستوري و الالتزام بتطبيق نتائجه من اجل التنظيم للانتخابات و حسب نعيمة الحامي عضو اللجنة الدستورية”اللجنة اتفقت مبدئيا على إجراء استفتاء على مشروع الدستور عبر الأقاليم الثلاث شرط حصوله على 50+1″
كما وافق المتحاورون على القيام بالاستفتاء بناءا على المادة رقم 6 وثق بيان البعثة الصادر في 20 جانفي 2021 و أكد البيان على التزام جميع الأطراف بإجراء الانتخابات وفق تواريخها المضبوطة في خارطة الطريق المتفق عليها.
تبع هذه المشاورات مفاوضات جنيف الأخيرة التي انتهت بتصويت مجموعة ال75 في 5 فيفري 2021 على قائمة للسلطة التنفيذية التي ستسير البلاد في فترة انتقالية ضمت القائمة محمد المنفي رئيسا للمجلس الرئاسي، موسى الكوني وعبد الله حسين اللافي عضوين في المجلس، وعبد الحميد دبيبة رئيسا لمجلس الوزراء. ستعمل هذه السلط على تمهد الأرضية لانتخابات ديسمبر 2021 التي تم الاتفاق على إجرائها في ملتقى الحوار الليبي في تونس في نوفمبر 2020 .
إقرار الاستفتاء كان إطارا عاما و أتت هذه المشاورات الثالثة في الغردقة من يوم 9 الى 11 فيفري لإرساء الخطوط اللازمة لإجراء الاستفتاء منها تحديد المواعيد النهائية خاصة مع ضرورة تشكيل الحكومة قبل ذلك.
وتظل مسالة الاستفتاء محل جدل خاصة بوجود المادة 6 من مسودة الدستور التي تربط شرعية الدستور بمروره على استفتاء شعبي لنيل الثقة بأغلبية الثلثين، هذا النزاع قديم لكنه متجدد تم إقرار هذا الفصل في 2018 ثم تعديله بالقانون رقم 1 لسنة 2019.
تضمين هذه المادة لن يمنح الحكومة فيما بعد إمكانية إجراء الاستفتاء من عدمه بل ستصبح شرعيته و شرعية كل السلط المنبثقة عنه رهن الاستفتاء الشعبي
في المقابل عدم إدراج المادة 6 سيمنح هامشا من الحرية لاتخاذ القرار حسب الظرفية و الزمن و مع إمكانية أن ينال الدستور شرعيته من انبثاقه من سلطة تأسيسية أصلية دون لزوم إجراء الاستفتاء خاصة في الظروف الأمنية و الانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد
هذه المراحل الدستورية لإرساء سلطة تنفيذية و تشريعية دائمة في ديسمبر القادم يبدو شبه مستحيل بما أن مفوضية الانتخابات تحتاج حسب تقديرها إلى 7 أشهر على اقل تقدير للتنظيم للاستفتاء و في صورة عدم موافقة الشعب على مشروع الدستور الذي أعدته الهيئة التأسيسية ستتضاعف هذه الآجال .
أما رئيس الحكومة فآجال تشكيله لحكومته الجديدة تقرر كآجل نهائي لها 19 مارس.
1- أزمة سياسية لنيل الثقة
حصول حكومة دبيبة على ثقة البرلمان يقف في مهب عاصفة انقسامات السلطة التشريعية حيث تم عقد اجتماعات برلمانية في 15 فيفري في كل من الشرق و الغرب و ذلك يعكس العجز عن مصالحة واقعية توحد صفوف 198 ناب
فمجموعة الغرب ترفض عقيلة صالح و اجمع 77 عضوا في البرلمان الانضمام إلى اجتماع سرت و التصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة ما لم يقع اختيار رئيس جديد لمجلس النواب و يترأس جلسة سرت.
في مقابل هذا الشق نجد تكتل آخر من النواب بعدد 88 نائب اغلبهم من برلمان الشرق أكد استعداده للالتحاق بالجلسة و منح الثقة لحكومة دبيبة و هو عدد كافي لتنال السلطة التنفيذية الجديدة الشرعية اللازمة و تستأنف مهامها خاصة بنجاح دبيبة تحقيق التفاهم مع كل من حفتر و عقيلة صالح.
عدم الوصول إلى اتفاق و إلغاء الاجتماع أمر وارد بالرغم من تأكيد اللجنة العسكرية المشتركة جاهزية المدينة امنيا لاحتضان الاجتماع التشريعي و ذلك سيؤدي إلى تعطيل المسار كاملا منذ الخطوة الأولى .
أمام خطر عدم نيل الشرعية بدا دبيبة بتصعيد نبرة الخطاب و أكد لجوءه إلى منتدى الحوار السياسي لنيل الثقة في صورة عدم وصول السلطة التشريعية من الوقوف في صف واحد في سرت.
حكومة دبيبة تقف في موقف قوة بما أنها تمثل تقاطع لمصالح أطراف عديدة مؤثرة في الملف الليبي منها الأطراف الخارجية مثل مصر و الولايات المتحدة الأمريكية التي أكد سفيرها بليبيا ريتشارد نورلاند على أهمية منح الثقة للحكومة الوحدة الوطنية.
أما الأطراف الداخلية فنجد عقيلة صالح أهم جهة متحركة سياسيا لإرساء شرعية الحكومة الجديدة لان ذلك يعني مباشرة بقاءه على رأس مجلس النواب الليبي و ضمان وجوده السياسي في مرحلة حرجة
أمام صمت للقيادات القديمة المتخاصمة مثل حفتر و السراج و الذي صمتها ليس قبولا و إنما استهلكت كل قواها و أوراقها في الميدان . انتهاء الأدوار السياسية لهذه الشخصيات ستفسح المجال لظهور أطراف جديدة قد يكون لها اليد العليا في الفترة القادمة في ليبيا إذا ما تم تجاوز العقبات الدستورية في المرحلة الانتقالية.
2- أزمة الاستفتاء
الاستفتاء على الدستور الذي توصلت إليه الهيئة التأسيسية الليبية المشتركة احد أهم نقاط الاختلاف الحالي خاصة أمام ضيق الوقت للقيام باستفتاء و تنظيم انتخابات في الوقت ذاته و كذلك الاختلاف على بعض الفصول. في المقابل تعددت المقترحات لتجاوز هذا المنعرج.
تم التوصل في لقاء الغردقة الأخيرة إلى الاتفاق حول قاعدة دستورية تقتضي بالمرور مباشرة للانتخابات الرئاسية و التشريعية في صورة تعذر القيام باستفتاء.
لكن الاستفتاء تتمسك به البعثة الأممية المتمثلة في المبعوث الاممي الجديد يان كوبيتش الذي يرفض كل الحلول البديلة و أكد مؤخرا تمسك البعثة بالاستفتاء و إجراء انتخابات ديسمبر في الآجال رافضا اقتراح الهيئة التأسيسية التي طالبت بالقيام بالاستفتاء في تاريخ 24 ديسمبر باعتباره من الآجال الدستورية الذي تم الاتفاق عليها و القيام بالانتخابات مباشرة فور إكمال الاستفتاء .
3- أهم السيناريوهات
اختلطت القوانين بالمصالح السياسية في مسار دستوري تأزم من جديد بعد أن علقت عليه العديد من الآمال لعلاج الدولة فإلى أين يتوجه هذا المسار ؟
السيناريو الأول
نجاح المسار الانتقالي من خلال تشكيل الحكومة و إرساء استفتاء يفتح المجال إلى تنظيم انتخابات ديسمبر 2021 و خروج الدولة من أزمة تجاوزت العقد.
السيناريو الثاني
تواصل الانشقاق بين تكتلات مجلس النواب و عدم الوصول إلى جلسة مشتركة تمنح فيها الحكومة الثقة في هذه الحالة سيعود رئيس الحكومة إلى ملتقى الحوار السياسي لكن ذلك سيزيد الأمور تعقيدا خاصة أمام اهتزاز الثقة في أعضاء المنتدى نتيجة ما نشرته تقارير أممية عن الرشاوى و التحالفات الخفية التي وقعت في ملتقى الحوار في تونس، و ذلك سيؤدي بحكومة دبيبة إلى طريق مسدود و مفاوضات لا متناهية تعيد إلى الأذهان المرحلة الانتقالية مع حكومة السراج.
السيناريو الثالث
حصول حكومة الوحدة الوطنية على ثقة مجلس النواب و استئناف العمل بكل مشروعية لتنظيم الاستفتاء و الانتخابات في هذه الحالة سيظل التساؤل المطروح حول واقعية تنفيذ كل هذه الالتزامات الدستورية في وقت ضيق دون أن ننسى ما ظل عالقا من ملفات كتوحيد الجيش و إخراج المرتزقة و توحيد المؤسسات التشريعية و المالية و حتى المصادقة على مشروع المالية سيحدث اختلافا سياسيا كبيرا. في هذه الحالة ستدخل الحكومة الانتقالية في متاهة جديدة زمن الخروج لن يكون معلوما.