بيان صحفي صادر عن الدكتور بشار الجعفري

الدكتور بشار الجعفري: قسم الأخبار الدولية 21-04-2025
بسم الله الرحمن الرحيم
في مشهدٍ يختزل مأساة الوطن ويجسّد مفارقةً موجعة بين من أفنى عمره في الدفاع عن سيادة الدولة وكرامة مؤسساتها، وبين من يتخذ من السلطة أداةً للبطش ومصادرة الحقوق، أجد نفسي مضطرًا لكشف ما جرى من استيلاء تعسفي وغير قانوني على أملاكي العقارية الخاصة، الواقعة في منطقتي قرى الشام (قرى الأسد سابقًا) وضاحية قدسيا، من قِبَل عناصر تابعة لأمن سلطات دمشق الحالية، في سلوك لا يمكن وصفه إلا بأنه انتقام سياسي سافر وتجريد غير مبرر لمواطن سوري من أبسط حقوقه الدستورية والشرعية.
إن الاستيلاء على ملكيات خاصة تم تملّكها بطرق نظامية منذ أكثر من عقدين، ومنها منزلي العائلي الذي اشتريته في القرى في العام 2002 بحر مالي مما وفرته بعد بعثتي إلى أندونيسيا، ومنزل آخر في ضاحية قدسيا اشتريته بالتقسيط على مدى سنوات طويلة عندما كنت سفيرًا لبلادي لدى الأمم المتحدة في جنيف ونيويورك، يمثل انتهاكًا خطيرًا لمبدأ قدسية الملكية الفردية الذي كفلته الدساتير الوطنية لكل الدول المتحضرة والشرائع السماوية، ونصّت عليه بوضوح الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
لقد مثلت بلادي #سوريا في أعلى المحافل الدبلوماسية لسنوات طويلة، وحرصت خلالها على الدفاع عن سيادتها ووحدة ترابها، ومنعتُ، بقدر ما أتيح لي، انزلاقها إلى مستنقع الفصل السابع.
وإن المصطلحات السياسية التي استخدمتها في الأمم المتحدة، لم تكن اجتهادًا فرديًا، بل التزامًا صارمًا بالمفردات الواردة في قرارات الشرعية الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب والوضع في سوريا والقضية الفلسطينية والحالة في العراق وليبيا، وتمثيلًا للدولة السورية بصفتها عضوًا في الأمم المتحدة منذ تأسيسها في العام 1945، وليس بصفتي الشخصية. فأنا لم أكن أعمل لحسابي الشخصي هناك ولم يكن لدي دكان أديرها كقطاع خاص في المحافل الدولية….
كانت قدوتي في أداء عملي أيقونات وطنية يجمع الشعب السوري على أنها مرجعيات لا يرقى إليها أي تشكيك، كيوسف العظمة، وصالح العلي، وإبراهيم هنانو، وسلطان باشا الأطرش، وحسن الخراط، وفارس الخوري، وخالد العظم، وأنطون سعادة، وشكري القوتلي، وهاشم الأتاسي، وفاروق الشرع، وعز الدين القسام، وأحمد عرابي، وعمر المختار، وجميلة بوحيرد، وعبد الكريم الخطابي، والأمير عبد القادر الجزائري، وعبد الرحمن الشهبندر، ومحمد كرد علي، وخالد الأسعد، وحارث الضاري… وغيرهم كثر… وكانت رسالتي لمن حمل لي عرض الرشوة المغري جدًا مقابل خيانة الأمانة: “قل لمن أرسلك أن يوسف العظمة يسلم عليك”…!
لقد خدمت بلادي في الخارج لأن هذه هي مهنتي كدبلوماسي منذ أن نجحت في مسابقة انتقاء دبلوماسيين لصالح وزارة الخارجية قبل 45 عامًا. أنا لم أعمل في وزارة الداخلية، ولا في أجهزة الأمن، ولا في وزارة الدفاع، ولا في أجهزة أي حزب سياسي.
كان واجبي الدفاع عن مصالح بلادي العليا في الخارج، في محافل دولية يهيمن على مقدراتها ضباع السياسة العالمية ممن يفترسون الدول والشعوب. وها هو الخبير الاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس يفضح المستور في منتدى أنطاليا في عقر دار تركيا قبل أيام قليلة…..! عندما قال بأن أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون كانا من خطط للفوضى “الخلاقة” في سوريا.
وكان قد سبقهما إلى ذلك الجنرال الأمريكي الشهير ويسلي كلارك ووزير الخارجية الأسبق كولن باول كما يعرف الجميع.
سوريا هي وطن أبدي للسوريين جميعًا، ليس فيهم أغلبية وأقليات. كان شعار الاستقلال: الدين لله والوطن للجميع.
منذ متى نحن نقول إن السوريين طوائف متناحرة تبحث عن حمايات دولية خارجية وتروم ذبح بعضها بعضًا بذرائع تكفيرية إجرامية مخجلة؟!
إن ثقافة القتل والتكفير ليست وليدة البيئة السورية، بل هي نتاج أجندة تخريبية للنسيج المجتمعي السوري الأصيل، وانتقام وتصفية حسابات مع تفرد السوريين في عشق وطنهم ودفاعهم المستميت عن قضايا أمتهم العربية.
ليس كل من دافع عن بلاده بوعي وصدق وانتماء هو من “فلول النظام”. نحن كلنا مع سيادة القانون، ولكن أين هو هذا القانون عندما يقتحم أفراد مسلحون غير منضبطين بأخلاق القانون بيوت السوريين ويصادرونها وينهبونها ثم يجلسون فيها ويعبثون بممتلكات أصحابها… من دون أن ينسوا طبعًا إقامة الصلاة في تلك البيوت باعتبار أنها غنائم…
وإذ أضع هذا التطور الخطير أمام الرأي العام، فإنني أنبّه إلى أن هذا السلوك غير المسبوق يفتح الباب واسعًا أمام انهيار الثقة بين المواطن والدولة، ويكرّس معادلة خطيرة مفادها أن من يكدّ ويخدم بلاده يُعاقَب، بينما تتحول العقارات المنهوبة والحسابات في الخارج إلى معيار للسلامة والشرعية.
لقد سمعنا أول ما سمعنا من السلطات في دمشق، بعد استتباب السيطرة، أن “التحرير لا ثأر فيه”. وكنت من أوائل من دعوا إلى التمسك بمؤسسات الدولة، والابتعاد عن منطق التصفية والاقتتال.
فهل ما جرى يعكس فعلًا مضمون تلك الشعارات؟
أم أن الواقع يثبت العكس؟
وهل يُقال عن هذا أنه تصرف فردي؟
أم أنه نهج ممنهج يراد منه تصفية الحسابات وتقويض كل من يمتلك رصيدًا شعبيًا أو تاريخًا في خدمة الوطن؟
إن ما حدث من وضع اليد على أملاك سفير ما يزال رسميًا على رأس عمله، لا يمكن قراءته بمعزل عن ما يُنقل من مشاهد مشابهة في الساحل وسهل الغاب وريف حماة الغربي، حيث باتت ممتلكات عامة الشعب عرضة للمصادرة والسطو تحت ذرائع متعددة، قد لا تكون آخرها ما يُطلق عليه بـ”غنائم الحرب”، وهو توصيف لا يمت إلى الشرع ولا إلى العقل ولا إلى الدستور بصلة.
يقول تعالى: “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل”، ويقول الرسول الكريم: “كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه”.
إن تغير الظروف والسلطات لا يمنح أي جهة الحق في نزع الملكية عن أصحابها بسبب موقف أو رأي في سياق سياسي معين.
وإذا تم إقرار هذا المنطق، فإننا أمام انهيار للثوابت وتكريس لشرعية الانتقام لا شرعية الدولة.
إنني، الدكتور بشار الجعفري، لم أكن يومًا طرفًا في صراع ضد أبناء وطني، بل كنت وما زلت جنديًا في صف الدولة السورية، أعمل في الظل والعلن على تجنيبها الانهيار والضياع.
وإن ما أتعرض له اليوم، ما هو إلا انعكاس لحالة من الذعر السياسي، ومحاولة لتهميش أي صوت وطني حر يحمل ذاكرة حقيقية لدى الناس.
ما يجري اليوم ليس شأنًا شخصيًا فحسب، بل هو ناقوس خطر يُدقّ في وجه الجميع:
إننا إن سكتنا اليوم، لن يجد أحد غدًا سقفًا يأويه ولا قانونًا يحميه.
والآن، بعد أن سجل من أصدر قرار حجز ممتلكاتي وصادر منزلي الاثنين، وفعل نفس الإجراء غير المسؤول بحق بعض الزملاء السفراء و الدبلوماسيين الآخرين، أتوجه لهم بالسؤال:
ما هي رسالتكم لي وللسفراء الآخرين من موظفي وزارة الخارجية وخدموا البلاد على مدى عقود؟
هل تقولون لنا اذهبوا إلى الفنادق أم……!
والله من وراء القصد.
الدكتور بشار الجعفري
21 نيسان 2025