آسياأخبار العالمبحوث ودراسات

“مسجد ميونخ”… والتوظيف الغربي للإرهاب ضد روسيا

إعداد الدكتور أيمن سمير 27-03-2024

لماذا نفذت داعش في هذا التوقيت هجومها الإرهابي الغادر على المركز التجاري ” كروكوس سيتي هول” شمال غرب موسكو؟

وهل هذا الهجوم يأتي في إطار “الحرب الهجينة” التي أعلنها الغرب على روسيا قبل أكثر من عامين؟

وكيف اضطلعت واشنطن وشركاؤها في الناتو والاتحاد الأوروبي بالدور القيادي في دعم كل الحركات والتنظيمات الإرهابية وتوجيهها ضد روسيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم؟

 وما علاقة هذا الهجوم بالحرب الروسية الأوكرانية؟

 يأتي طرح هذه الأسئلة بعد تحذير الاستخبارات الأمريكية والبريطانية للمواطنين الأمريكيين والبريطانيين في روسيا من الذهاب إلى التجمعات والحفلات الكبيرة، حيث قالت السفارة الأمريكية في بيان رسمي صدر يوم 7 مارس الجاري، إنها تتوقع شن هجوم إرهابي كبير في موسكو، ودعت رعاياها إلى تجنب حضور التجمعات والحشود، وتكرر الأمر نفسه من جهاز الاستخبارات الخارجي البريطاني المعروف باسم “إم. أي. 6” خلال الأسبوعين الماضيين.

ليس هذا فقط، فمنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، شهدت روسيا زيادة غير مسبوقة في عدد العمليات الإرهابية وحجمها ونوعيتها، ومن يراجع العمليات الإرهابية التي قامت بها الجماعات الإرهابية خلال العامين الماضيين في الاتحاد الروسي سوف يتأكد له أن هذه العمليات ليست من نوع “الإرهاب المحلي”، بل تؤشر كل المعطيات أنه “إرهاب عالمي”، مدعوم بقوة من دول عظمى لها خبرة طويلة في “توظيف الإرهاب”، ولعل مشاهد الإرهابيين وهم يقتلون الأطفال والمدنيين في المركز التجاري “كروكوس سيتي هول” تقول إن هؤلاء الإرهابيين تلقوا تدريبًا عاليًا، وعلى مستوى احترافي في القتل والإرهاب.

 فكيف صنعت واشنطن “الورقة الإرهابية” واستغلتها ضد روسيا؟

وما الإستراتيجية الروسية لمكافحة الإرهاب؟

وكيف يمكن هزيمة الإرهاب عالميًّا؟

تحليل الهجمات التي قامت بها داعش في الداخل الروسي يؤكد أنها “لا تنفصل” في الأهداف والتوقيت عما يجرى من تفاعلات ميدانية وسياسية في الحرب الروسية الأوكرانية، فهذه الهجمات الدامية جاءت بعد فوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بولاية جديدة، وبنسبة فاقت 87 % من أصوات الشعب الروسي، كما أن الأطراف التي دعمت الهجوم الأوكراني بالسلاح والذخيرة على البلدات الحدودية الروسية، وشبه جزيرة القرم، بقيادة الولايات المتحدة، هي نفسها الأطراف التي تدعم المجموعات الإرهابية لإلحاق ما تسميه “الهزيمة الإستراتيجية” بالدولة الروسية، وتظل “الجماعات الإرهابية” إحدى أهم “أدوات الحرب الهجينة” الغربية على روسيا، ويمكن رؤية ذلك في عدد من المؤشرات، منها:

1- إحباط روسيا خلال العامين الماضيين نحو 419 عملية إرهابية أُعدِّت ومُوِّلت من الخارج، سواء من أجهزة الاستخبارات الغربية، أو الأمريكية.

2- بدأت أوكرانيا- بدعم وإسناد مخابراتي غربي- بـ”توظيف” المجموعات الإرهابية للعمل ضد موسكو في الداخل الروسي، وعلى سبيل المثال أحبطت روسيا في 6 مارس الجاري هجومًا قالت موسكو إن كييف تقف وراءه، وذلك بمشاركة مواطن من بيلاروسيا للهجوم على جمهورية كاريليا الروسية.

3- إحباط هيئة الأمن الفيدرالي الروسية خلال الأسبوع الأول من مارس الجاري هجومين كان يعد لهما تنظيم داعش،  الذي وضع روسيا على قائمة أهدافه منذ بدء مشاركة الجيش الروسي عام 2015 لسوريا في حربها على الإرهاب.

4- قتل الجيش الروسي 6 من عناصر داعش في مدينة “كارابولاك” بجمهورية أنجوشيتيا الشهر الجاري عندما حاولوا الهجوم على بعض التجمعات اليهودية. كما أحبطت الأجهزة الأمنية الروسية في 7 مارس ” الجاري هجومًا داعشيًّا على موسكو، وكانت هذه الخلية تسكن في ضاحية “كالوجا” شمال موسكو.

5- تزايدت في الآونة الأخيرة وتيرة الهجمات التي يقوم بها “داعش خرسان”، أو “داعش القوقاز”، وزادت العمليات الداعشية ضد روسيا بنحو 38 % عام 2019 عمّا كانت عليه عام 2018، كما قتلت أجهزة الأمن الروسية نحو 20 عنصرًا وقائدًا لتنظيم داعش القوقاز عام 2020.

6- نجاح روسيا في تفكيك عدد كبير من الخلايا الداعشية عام 2021، ومنها خلايا كانت تتمركز في موسكو، ومقاطعة أستراخان القوقازية.

7- نتيجة لإفشال روسيا المخطط الأمريكي لسيطرة داعش على سوريا والعراق، تأسس تنظيم “داعش في القوقاز”، تحت اسم “ولاية القوقاز” في 23 يونيو 2015، وهو التنظيم الذي كان يقوده “رستم أسيلداروف”، الذي بايع أبا بكر البغدادي، وشنت “ولاية القوقاز” مجموعة من الهجمات الإرهابية ضد روسيا، منها الهجوم على قاعدة عسكرية في داغستان في سبتمبر 2015، ونجح الجيش الروسي في 4 ديسمبر2016 في قتل “أسيلداروف” في غارة جوية على منزله في “محج قلعة”.

لم تدخر الولايات المتحدة الأمريكية أي وسيلة لإضعاف روسيا منذ نهاية الحرب الباردة، لكن السعي إلى تفكيك روسيا أخذ منحنى نوعيًّا منذ بداية العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا صباح يوم 24 فبراير 2022، وعلى مدى أكثر من عامين، وظفت واشنطن كل “الأدوات السياسية” التي تملكها أو تستطيع تحريكها ضد الأمن القومي الروسي، ومن ذلك تقديم السلاح والذخيرة الى أوكرانيا، وفرض أشد العقوبات الاقتصادية في التاريخ على الاقتصاد الروسي، وتأجيج البيئة السياسية المعادية لروسيا في محيطها الآسيوي والأوروبي،  لكن أكثر الأدوات التي تراهن عليها الولايات المتحدة في تفكيك النسيج السياسي والمجتمعي الروسي هي “توظيف التنظيمات الإرهابية”، سواء في شمال القوقاز وجنوبه، أو حتى في الفناء الخلفي للاتحاد الروسي في منطقة آسيا الوسطى.

 ولم تكتف واشنطن بكل هؤلاء الإرهابيين في جمهوريات شمال القوقاز أو جنوبه، بل بذلت أقصى جهدها لنقل المجموعات الإرهابية من الشرق الأوسط، وخاصة شمال غرب سوريا، للقيام بعمليات إرهابية في العمق الروسي، وعملت واشنطن وحلفاؤها في أوروبا والناتو على زعزعة الاستقرار الروسي من خلال عمليات إرهابية داخل العاصمة الروسية موسكو، وهو ما عبر عنه نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، عندما قال في مارس من العام الجاري “إن الغرب يستخدم المنظمات الإرهابية والمتطرفين من كل مكان ضد روسيا بالطريقة نفسها التي استخدمها في التسعينيات في شمال القوقاز، وإن المخابرات الأمريكية تدرب الإرهابيين والمخربين لارتكاب جرائم في روسيا، على أمل بث الخوف في نفوس الروس”.

حديث باتروشيف يكشف الدعم الغربي الدائم وغير المشروط للجماعات الإرهابية منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما نتج عنه كل التنظيمات الإرهابية العالمية، مثل القاعدة، وداعش بكل فروعهما في روسيا وخارجها.

ويكفي قراءة صفحات قليلة من كتاب “مسجد ميونج”، للكاتب الاستقصائي الأمريكي أيان جونسون، ليتأكد للجميع حجم الدعم الثابت للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لكل الجماعات الإرهابية داخل الاتحاد السوفيتي السابق، ثم روسيا بعد ذلك.

 فهذا الكتاب القائم على الوثائق يقول إن الولايات المتحدة بدأت بتوظيف “الجماعات الإرهابية” منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، خاصة المجموعات السوفيتية التي حاربت مع هتلر ضد وطنها الأم (الاتحاد السوفيتي)، وبقي جزء كبير من هؤلاء المنتمين إلى بعض الجمهوريات السوفيتية في ألمانيا الغربية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ولهذا اشترت المخابرات الأمريكية، بالتعاون مع مخابرات ألمانيا الغربية، كنيسة في مدينة ميونخ الألمانية، وأحالوها سريعًا إلى مسجد يترأسه سعيد رمضان (زوج ابنة حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان)، ليعمل “مسجد ميونخ” بعد ذلك كقاعدة لإطلاق العمليات الإرهابية ضد الاتحاد السوفيتي السابق طوال فترة الحرب الباردة.

 كان أكبر “توظيف” لتلك الجماعات الإرهابية عندما أرسلت واشنطن تلك الجماعات الإرهابية ضد القوات السوفيتية في أفغانستان بداية من عام 1979 عندما بدأت المخابرات الأمريكية بإرسال الإرهابيين من الإقليم العربي والعالم الإسلامي تحت “مظلة الجهاد”، و”الأفغان العرب”، لقتال الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.

 وبعد خروج الاتحاد السوفيتي السابق من كل الأراضي الأفغانية عام 1989، أعادت الولايات المتحدة “تدوير الجماعات الإرهابية” لتقاتل ضد مجتمعاتها العربية والاسلامية التي خرجت منها، ولهذا شهدت الدول العربية، مثل مصر، والسعودية، واليمن، موجة غير مسبوقة من العمليات الإرهابية مع عودة بعض الإرهابيين من أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، ومن تبقى في أفغانستان أسست بهم المخابرات الغربية “تنظيم القاعدة” بقيادة أسامة بن لادن، عام 1987، وبدأت عمليات القاعدة تنطلق من أفغانستان إلى العالم بداية من عام 1991.

ومن رحم المجموعات المتطرفة التي كانت تحت عيون المخابرات الأمريكية في السجون العراقية خرج “تنظيم داعش” بكل فروعه، بما فيها “داعش خرسان”، الذي تأسس عام 2015، من عناصر قاتلت في سوريا والعراق، وهو التنظيم الذي أعلن مسؤوليته عن قتل المدنيين في المركز التجاري “كروكوس سيتي هول” في موسكو.

المدقق في الدعم الغربي لداعش والقاعدة، وقبلهما كل التنظيمات الإرهابية الأخرى منذ عام 1945، يتأكد له أن الدعم الغربي للتنظيمات الإرهابية جاء “حصريًّا” لإضعاف روسيا وتفكيكها، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومنافسة الاتحاد السوفيتي السابق للولايات المتحدة على الساحة الدولية، فأكبر “توظيف” للجماعات الإرهابية كان في أفغانستان، وكان لهؤلاء الإرهابيين وما تلقوه من أسلحة أمريكية، خاصة صواريخ سينجر، وجافلين، دور كبير في إضعاف الاتحاد السوفيتي السابق وتفكيكه.

ومع عودة روسيا مرة أخرى لتضطلع بدور قيادي في الساحة الدولية، عادت الولايات المتحدة من جديد إلى أدواتها القديمة، وهي “الورقة الإرهابية”، فالمعروف أن الولايات المتحدة لم يكن لها مشكلة حقيقية مع العراق وسوريا، لكنها فقط أرسلت الإرهابيين إلى هناك حتى تجعل سوريا والعراق “مركز تديب وتأهيل” للإرهابيين للقتال في الداخل الروسي؛ ولهذا ذهبت إلى روسيا عام 2015 لقتال داعش هناك قبل أن ينتقل الإرهابيون الروس، الذين شكّلوا نحو ثلث عناصر داعش في سوريا والعراق، إلى روسيا؛ ولهذا بذلت المخابرات الأمريكية والغربية جهدًا كبيرًا لنقل عناصر التنظيمات الإرهابية من سوريا إلى أوكرانيا لتحارب الجيش الروسي، لكن من الأراضي الأوكرانية.

أحد التنظيمات الإرهابية النشطة في شمال غرب سوريا منذ عام 2015، ويضم العناصر الإرهابية من أصول شيشانية وألبانية. ولخداع روسيا، روجت الولايات المتحدة لنهاية هذا التنظيم وتفكيكه، لكنها في الحقيقة نقلت عناصره للقتال بجانب أوكرانيا.

وهي جماعة تنتمي إلى أصول من جمهورية الشيشان الروسية، ونقلت واشنطن عناصر هذه المجموعة إلى أوكرانيا منذ يونيو 2022، بزعامة مسلم تشبيرلوفسكي، ومعروف عن هذه الجماعة أنها كانت تقاتل الجيش الروسي في إدلب منذ عام 2015.

وهي جماعة أسسها خطاب لتقاتل الجيش الروسي في الشيشان في تسعينيات القرن الماضي، وعندما أرسلت روسيا جيشها لسوريا ذهبت هذه العناصر لقتال الجيش الروسي في سوريا، وبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية نقلت واشنطن عناصر “جماعة خطاب”في بداية عام 2023 للقتال في أوكرانيا.

وهي من أوائل الكتائب الإرهابية التي قاتلت الجيش السوري في إدلب عام 2012، ويتزعمها عبد الجشاري “أبو قتادة الألباني”، وتنشط هذه المجموعة وسط العناصر الإرهابية في منطقة البلقان، خاصة في كوسوفا، وألبانيا، والبوسنة والهرسك.

نجحت روسيا في إجهاض غالبية الأعمال الإرهابية رغم كل الدعم الذي تقدمه الاستخبارات الغربية للتنظيمات الإرهابية، سواء على الأراضي الروسية، أو التي تعمل ضد روسيا في الخارج، واعتمدت الإستراتيجية الروسية في مكافحة الإرهاب على مجموعة من المسارات، منها:

 فالكرملين كان مدركًا منذ البداية أن الهدف الغربي هو إثارة الجمهوريات الإسلامية والمسلمين في الشيشان، وداغستان، وأنجوشيا، وغيرها، ضد موسكو، ونتيجة لهذا الإدراك ظلت العلاقات قوية جدًّا بين المسلمين الروس والدولة الروسية، وهو ما أدى في النهاية إلى عزل الإرهابيين، وخير شاهد على هذا الأمر أن الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة في روسيا منحت أعلى نسبة من الأصوات للرئيس فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية التي جرت الشهر الحالي، وبلغت في جمهورية الشيشيان على سبيل المثال نحو 99 % من الأصوات.

فرغم التحذيرات التي قالها الكثيرون من تحول سوريا عام 2015 إلى مستنقع للجيش الروسي، فإن روسيا ذهبت بشجاعة إلى هناك، وهزمت كل الإرهابيين هناك، رغم الدعم الكبير من الاستخبارات الأمريكية والغربية.

فالمعروف عن الموقف الروسي هو دعمه الكامل وغير المشروط للقضايا العربية والإسلامية، فالدعم الروسي كان حاسمًا في الحفاظ على وحدة الدولة السورية، كما أن انحياز روسيا إلى القضية الفلسطينية، ودعواتها إلى وقف الحرب على قطاع غزة نموذج في الدعم الثابت للشعب الفلسطيني.

المؤكد أن الغرب سوف يراهن على التنظيمات الإرهابية ضمن “حربه الهجينة” على روسيا، لكن المؤكد أيضًا أن روسيا التي هزمت الإرهابيين من قبل في الشيشان وسوريا، قادرة على هزيمة الموجة الجديدة من الإرهاب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق