أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

الجرائم الالكترونية و الأمن الرقمي في إفريقيا

تقرير قسم الحوث و الدراسات الافريقية بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية و العسكرية

اعداد : رباب حدادة / 19-05-2021

مراجعة : الدكتورة بدرة قعلول

تعيش القارة الإفريقية منذ بدايات القرن الواحد والعشرين نموا سريعا في مجال التكنولوجيات الحديثة ولكن هذا النمو رافقه تمدد للجرائم الالكترونية بما هي مجموعة الجرائم التي تم ارتكابها باستعمال، الإنترانت والتكنولوجيات الحديثة[1]

 كما تعتبر هذه التكنولوجيات قد أضرت بالإفراد، المؤسسات الاقتصادية، المؤسسات المالية والمؤسسات السياسية في تهديد مباشر للأمن الإفريقي ما جعل الكثيرين يعتبرون أن عدم استقرار الأمن الرقمي احد أهم المخاطر التي أضيفت إلى المخاطر الأمنية التي تعيشها إفريقيا  كالإرهاب والقرصنة وشبكات التهريب…

مظاهر تفشي الجرائم الالكترونية

قرصنة، تجسس، احتيال، سرقة وغيرها من الجرائم الالكترونية التي أثقلت الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى الإفريقي فمنذ 2008 تم رصد 4000 شكوى أمام السلطات القضائية الفرنسية ضد هجمات الكترونية كان مصدرها الكوديفوار، ويظل الرقم رغم هوله لا يعكس العدد الحقيقي للهجمات بما أن اغلب المتضررين لا يرفعون قضايا في الجرائم الالكترونية[1] كما أن أرقام واحصائيات هذا النوع من الجرائم يعنبر من الأرقام السوداء.

إذ بلغت الخسائر المادية سنويا ما يقارب 3.7 مليار دولار في 2017 منها 649 مليون دولار في نيجيريا و210 مليون دولار في كينيا و 157 مليون دولار في جنوب إفريقيا[2]، وحسب التقرير التنفيذي لمخاطر الذكاء الرقمي في إفريقيا لسنة 2018  Executive Summary: 2018 Africa Cyber Threat Intelligence Report (ACTIR)” [3]  الذي أنجز من قبل  منتدى الأمن الرقمي في إفريقيا “2018 Africa Cyber Security Conference (ACSC)” فان هذه الخسائر في 2020 قد بلغت 2 بليون دولار .

تنامت الظاهرة و وازدادت حرفية المجرمين ما سبب في تعثر الاقتصاد الرقمي والأنشطة الرقمية التي يقوم عليها النظام العالمي منذ بداية جائحة كوفيد19 على وجه الخصوص إذ ازداد اللجوء إلى الفضاء الرقمي في ظل الإجراءات الحكومية المتخذة كالحجر الصحي ومنع الجولان والعمل عن بعد.

أزمة الكوفيد19 ساهمت كذلك في تنامي هذه الظاهرة بطريقة أخرى من خلال لعب دور “الطعم” من خلال التطبيقات أو الملفات الضارة التي تحمل اسم كوفيد19 والتي تسببت في سرقة المعلومات الشخصية (رقم الهاتف، بطاقات الائتمان، أرقام الحسابات البنكية…)[4] ولعل الهجوم السبراني العالمي الذي تعرضت له مختلف فروع سلسلة الفنادق العالمية Marriott International” ” من اخطر الهجمات التي أدت إلى سرقة المعلومات الشخصية لأكثر من 500 مليون حريف.

فتونس مثلا في الثلاثي الأول من سنة 2018 تم رصد 118 محاولة اختراق ليصل هذا العدد إلى 23 مليون محاولة اختراق في الثلاثي الأخير من سنة 2020 و ذلك حسب إحصائيات الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية.[5]

 ظهرت كذلك العديد من المواقع والمقالات الالكترونية والحملات الطبية التي تزعم نشر المعلومات حول فيروس كورونا ولكنها كانت تهدف في الحقيقة إلى التضليل من اجل الإضرار بمصالح شركات، أوأشخاص أو دول باستعمال معلومات مغلوطة وفي تقرير الأمم المتحدة تم رصد 50 مقال في شهر واحد كان يهدف للتضليل و الإضرار[6].

على المستوى الإفريقي أصبحت الهجمات مقلقة أكثر فأكثر والاستقصاء الذي قامت به شركة كاسبرسكي كشف أن إفريقيا عرفت 28 مليون هجوم رقمي بين جوان و أوت 2020.

 دول الغرب الإفريقي كالسينيغال والكوديفوار ونيجيريا والبينين هي أكثر الدول التي تعاني أزمة الجرائم الالكترونية ما جعل منظمة الاكواس تتخذ قرار يتعلق بمناهضة الجرائم الالكترونية في منطقة الغرب الإفريقي وذلك في القمة 76 للمجلس الوزراء المنعقد في ابوجا في 19 أوت 2011.

الهجمات الالكترونية الإفريقية لم تضر فقط بالشركات والأشخاص في المجال الإفريقي فقط بل استهدفت مختلف مناطق العالم خاصة أوروبا ما جعل منظمة الأمم المتحدة تعمل كذلك على مناهضة هذه الظاهرة  في إفريقيا وبالتحديد الغرب الإفريقي منها تظاهرة “أكتوبر سيبراني- Cyber Karangué ” الذي نظمه مكتب الأمم المتحدة لمناهضة المخدرات والجرائم ONUDC” ” في العاصمة السنغالية داكار وكان الهدف منها تبادل الخبرات في مجال الأمن الرقمي وحماية المؤسسات من الهجمات الالكترونية في ظل جائحة الكوفيد19[7].

تهديد الأمن الرقمي في إفريقيا تجاوز أزمة الجرائم الالكترونية للأشخاص وأصبح يرزح تحت خطر أثقل وهو الجوسسة الخارجية واستهداف أنظمة مؤسسات السيادة هذا الخطر ليس حكرا على إفريقيا من الأكيد من إنما أصبح الأمن الرقمي رهان للقوى الكبرى تعمل عليه كأولوية مطلقة وقد شهدت الدول اخطر الهجمات في تاريخيا في 21 فيفري 2019 حيث استهدفت سلسلة من الهجمات الالكترونية واسعة النطاق المؤسسات الحكومية، المخابرات، أجهزة الأمن، والشركات النفطية في الشرق الأوسط.

تبادل التهم بين الدول في مجال التجسس الالكتروني والهجمات السبرانية أصبح متكرر كاتهام فرنسا في 2012 للولايات المتحدة الأمريكية بمحاولة اختراق أنظمة الاليزيه  وفي 2018 نشرت صحيفة لوموند الفرنسية نتيجة استقصاء اثبت أن كافة معلومات مقر الاتحاد الإفريقي يتم السيطرة عليها من خلال تحكم الصين النظام الرقمي لمقر الاتحاد الإفريقي الذي كان من انجازها ولكن كلا الجانبين الإفريقي والصيني نفيا صحة هذه المعلومات.[8]

أسباب تفشي الجرائم الالكترونية

للأمن القومي بعد جديد أصبح هاجسا تعمل عليه الحكومات وهو الأمن الرقمي أو الأمن السيبراني بما هو مجموعة الوسائل الهادفة لحماية البرامج والمعلومات والأجهزة والتطبيقات من كل هجوم سيبراني.[1]

أصبحت إفريقيا نقطة تركز لمرتكبي الجرائم الالكترونية  وهذا ما يدعمه تصريح حمدون توريه الأمين العام السابق  للاتحاد الدولي لتكنولوجيات التواصل معتبرا أن “إفريقيا حاليا، أصبحت ملجأ لمجرمين الالكترونيين حيث يمكنهم ممارسة أنشطتهم غير الشرعية في مأمن من كل عقوبة” لأسباب عدة أهمها غياب إطار قانوني شامل ودقيق للبلدان الإفريقية في هذا المجال.

فاغلب الدول لم تتطرق إلى تأطير الجرائم الالكترونية وحتى التشريعات التي وجدت وحتى القوانين التي تم سنها في بعض الدول كنيجيريا والكوديفوار، تظل غير كافية.

من الأسباب الأخرى ضعف البنى التحتية الرقمية التي حالت دون إرساء امن رقمي إفريقي فالدول الإفريقية لا تملك من الوسائل والآليات ما يكفي في هذا المجال من اجل تحقيق “السيادة الالكترونية” وبالتالي أصبحت تعاني هشاشة أمنية في مجال الجرائم السبرانية كما في باقي المجالات الأمنية.

الأوضاع في إفريقيا سواء سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وامنيا تعاني بشكل متواصل من أزمات أصبحت هيكلية في اغلب الدول وبالتالي التركيز على مجالات حديثة كالتكنولوجيا والاتصال لا يحد لنفسه مكانا أمام قائمة الأولويات الحياتية في الاستراتيجيات الإفريقية التي تركز على ظواهر أكثر تهديدا كالإرهاب والتهريب والأمية والأوبئة.

هذا الوضع المتأزم لا ينفي ظهور بعض محاولات التصدي لهذه الظاهر بعد ارتفاع الخسائر الاقتصادية التي تسببت فيها الجرائم الالكترونية خاصة بالنسبة للبنوك والشركات وتهديد الأمن من خلال الجوسسة والسيطرة على الأنظمة الرقمية لمؤسسات السيادة.

قامت الكوديفوار في 2002 بإنشاء وزارة التواصل والتكنولوجيات الحديثة بغاية الإشراف على إرساء شبكة من التي التحتية الرقمية وتطوير هذا القطاع و كذلك السيادة الرقمية في ظل دولة تعتبر من أكثر الدول المتضررة من الجرائم الرقمية.

العمل على تحقيق الأمن الرقمي اتخذ مكانه في جدول الأعمال الإفريقي سواء للمنظمات تحت-الإقليمية أو الإقليمية فمنظمة الاكواس كما ذكرنا اتخذت قرار 19 أوت 2011 المتعلق بمكافحة الجرائم الالكترونية. الاتحاد الإفريقي من جهته اتخذ قرار عدد 473 لسنة 2021 حول حقوق الإنسان والشعوب فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والروبتة وباقي التكنولوجيات الحديثة[2] داعيا فيها المنظمات التحت-إقليمية الإفريقية

إلى اتخاذ الأطر القانونية الأزمة لتأطير التكنولوجيات الحديثة في إفريقيا وذكر بتأثير بعض الجرائم الالكترونية كالتضليل ونشر المعلومات الخاطئة والقيام بحملات مدعومة على الشعوب الإفريقية وحقوقها كما دعا في نهاية القرار كافة الدول إلى تعميق البحث في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الحديثة وتأثيرها على إفريقيا وحقوق الشعوب وحريتها.

تظل “الهجمات الالكترونية اخطر من الحرب الحقيقية” بعبارة إنجيلا ماركل لذلك بالرغم من الأوضاع المتردية في إفريقيا اقتصاديا وسياسيا لابد من التركيز على دعم الأمن الرقمي فيها وتحقيق السيادة الرقمية ولو نسبيا خاصة بان التكنولوجيات الحديثة والذكاء الاصطناعي أصبح يوظف لغايات سياسية كالتأثير في الرأي العام من خلال دعم المرشحين السياسيين وضرب آخرين وتأجيج الأزمات وتهدئة أخرى .

المراجع


[1] Gouvernement  du canada, Qu’est-ce que la cybersécurité? https://www.ic.gc.ca/eic/site/137.nsf/fra/h_00009.html

[2]Commission africaine des droits de l’homme et des peuples،473 Résolution sur la nécessité d’élaborer une étude sur les droits de l’homme et des peuples et l’intelligence artificielle (IA), la robotique et d’autres technologies nouvelles et émergentes en Afrique – CADHP/Rés.473(XXXI) 2021.


[1]Jean-Jacques Bogui،La cybercriminalité, menace pour le développement : Les escroqueries Internet en Côte d’Ivoire،Afrique contemporaine،n°243,2010.

[2] https://entrepreneur-numerique.africa/cybersecurite-et-cybercriminalite-en-afrique-etat-des-lieux-et-perspectives/ 

[3] Africa Cyber Security Conference (ACSC) 2018.

[4] الأمم المتحدة ،تقرير مكتب مكافحة الجرائم و المخدرات لمنطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا حول الجرائم الالكترونية خلال جائحة كوفيد19

[5] https://www.ansi.tn/statistics

[6] التقرير السابق للأمم المتحدة

[7] Office des Nations unies contre les drogues et le crime،Lancement d’Octobre Cyber au Sénégal: Cyber Karangué*, adoptons les cyber gestes barrières pendant la COVID-19.

[8] https://www.voaafrique.com/a/chine-union-africaine-diplomatie-espionnage/4229870.html


[1] Gendarmerie royale du Canada،Définition de la cybercriminalité ،https://www.rcmp-grc.gc.ca/fr/definition-cybercriminalite  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق