الهدنة السودانية بين الرفض والاتهامات وتزايد الضغوط الدولية

قسم الأخبار الدولية 25/11/2025
أطلقت الساحة السودانية فصلاً جديداً من الجدل السياسي بعد أن أعلن قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) موافقته على هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، في خطوة وصفتها الحكومة السودانية بأنها «مناورة سياسية مكشوفة»، معتبرة أنها تكرار لأساليب سابقة استخدمتها «الدعم السريع» لتمرير الإمدادات العسكرية وتحقيق مكاسب ميدانية.
وجاء إعلان حميدتي بعد أقل من 24 ساعة على رفض قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان المقترح الدولي الخاص بالهدنة، ما أعاد تسليط الضوء على حالة الانسداد السياسي والعسكري التي يعيشها السودان منذ اندلاع الحرب بين الطرفين في أبريل 2023.
تصاعد الضغوط الأميركية – الرباعية
تزامنت التصريحات السودانية مع زيارة المبعوث الأميركي مسعد بولس إلى الإمارات، حيث دعا طرفي النزاع للقبول بخطة واشنطن «دون شروط مسبقة»، مؤكداً أن «النص المطروح واضح ويستهدف وقفاً فورياً للأعمال العدائية». وشدد بولس، خلال إحاطة إعلامية مشتركة مع المستشار الإماراتي أنور قرقاش، على أن الطرفين لم يظهرا موافقة صريحة على المقترح، رغم تزايد الكارثة الإنسانية في البلاد.
وتأتي الزيارة بعد اتهامات وجهها البرهان للمبعوث الأميركي بالانحياز، وهو ما اعتُبر دليلاً إضافياً على اتساع فجوة الثقة بين الجيش والوسطاء الدوليين. وعلى الجانب الآخر، أكدت الإمارات دعمها الكامل للجهود الأميركية والرباعية (أميركا – السعودية – الإمارات – مصر) في مسار التهدئة.
مواقف سياسية متباينة داخلياً
حاولت قوى مدنية عديدة استثمار إعلان حميدتي لتعزيز الضغط باتجاه هدنة فورية؛ إذ رحّب «تحالف صمود» بقيادة عبد الله حمدوك بالخطوة، داعياً الجيش لاعتماد المسار نفسه. كما دعم حزب الأمة القومي المقترح، مطالباً بتهيئة ظروف توقف الحرب وعودة العملية السياسية.
في المقابل، اشترط حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، الموالي للجيش، قبول أي هدنة بانسحاب «الدعم السريع» من المناطق التي تسيطر عليها، وإطلاق سراح المختطفين، وإخراج المرتزقة الأجانب، وفتح الطرق لإيصال المساعدات، في مطالب تعكس عمق التداخل العسكري في مناطق غرب السودان.
خريطة طريق جديدة… على خطى نموذج غزة
كشف بولس خلال تصريحاته الأخيرة أن «الرباعية» طرحت خطة مستوحاة من النموذج الذي طُبّق في غزة: هدنة إنسانية، يليها بحث ترتيبات الانتقال السياسي، ثم الإعمار. لكن الواقع الميداني السوداني—بتعقيداته القبلية والعسكرية والجهوية—يجعل تطبيق النموذج أكثر صعوبة.
ورغم ترحيب بعض القوى المدنية بإعلان حميدتي، فإن موقف الحكومة السودانية الرافض، والاتهامات المتبادلة بعدم الحياد، وتباين شروط الأطراف الإقليمية والمحلية، كلها عناصر تشير إلى أن الهدنة ما زالت بعيدة عن التحقق. وبينما تتزايد التحركات الدبلوماسية، يبقى المدنيون خصوصاً في دارفور والخرطوم الطرف الأكثر تضرراً، في أزمة إنسانية تتفاقم بلا أفق واضح للحل.



