النبي دانيال ومشروع ما بعد الابراهيمية
إعداد المحللة السياسية السورية ميس الكريدي
دمشق 13-12-2023
الخزعبلات والتنجيم والتدجيل الفكري جزء من سمات النظام العالمي والتلاعب بذهنية الشعوب، فتقرأ أو تسمع بعد ردح من الدراسات والفكر وفي مرحلة محفوفة بالتضليل قصص شيقة عن قوى خفية وأنبياء من بني اسرائيل يعاد إخراج قصصهم بسيناريوهات سينمائية، وليكن هذا الكلام مقدمة للحديث عن سيناريوهات ديموغرافية وسياسية قادمة .
نشر مركز كارنيغي في مطلع ٢٠٢٣ دراسة حول المخاطر الاستراتيجية للسعودية في اليمن، واستعرض الكاتب الظلم وتقسيم العائلات في جيزان وعسير ونجران نتيجة معاهدة الطائف التي رسمت الحدود السعودية برعاية بريطانيا.
وقد تكون تلك الدراسة مدخلاً للتفكير في المشروع العالمي برعاية الولايات المتحدة الامريكية لتقسيم المنطقة على أساس اثني أو مذهبي أو مايشبههما حتى لو اقتضى الأمر إعادة إنتاج سرديات تاريخية وفبركتها وتضخيمها، ومع تصاعد الدور المبالغ في إظهاره عالميًا لقدرة مواقع التواصل الاجتماعي وخاصةً تويتر ودوره في التضامن مع القضايا وخاصة إبان الحرب المفتوحة في غزة والتي تتولى مراكز الاعلام بشقيها الصهيونية وغير الصهيونية نقل مآسيها كل حسب وجهة نظره، والتدخل الواضح في تصدير شخصيات إعلامية بغض النظر عن مسيرتها الالتزامية، كإعادة تعريف للقيم الإنسانية وعولمتها، وفتح باب التوبة ما فوق الدينية و مابعد الابراهيمية، مما يجعل رأي شخصي لشخصية مشهورة محركاً لحملات إعلامية تجري خلالها تصفية حسابات اقتصادية وسياسية عالمية.
وهكذا تلوح في الأفق سيناريوهات الخرائط الجديدة، والتي تعد اللبنة الأخيرة لطرد أوروبا وقواها الكلاسيكية من الشرق الأوسط بعد العرض المثير لطردها من إفريقيا، ورغم أن الولايات المتحدة الامريكية هي صاحبة القواعد المنتشرة في الخليج العربي والدول النفطية، إلا أن العقل البريطاني يحتاج اقتلاع نهائي عبر انقلاب على خرائطها.
وبالتالي تسعى الدول ذات المواثيق الموقعة التي عرفت حدودها من خلال تفاهمات الاستعمار الغربي إلى ترتيب عقود جديدة مع الولايات المتحدة الامريكية ضمن التوزيع القطبي المحتمل القادم مع مرور الحزام والطريق المحاط برعاية دول بريكس والمعرف صينيًا، وهم تلك القوى الحاكمة في الشرق الاوسط.
هو أن تحتفظ بشرعيتها ووجودها المهدد بتغيير الصفات الجغرافية للدول، خاصة بعد أن ثبت أن المشروع الذي دفعت الولايات المتحدة الامريكية بحلف الناتو أمامها (كما فعلت مع بريطانيا في غزو العراق) لتصوير شراكة أوروبية وهمية فيه أي ما يسمى “بالربيع العربي” كان متضمنا اسقاط كافة الانظمة في المنطقة بما فيها تلك التي دعمت بالمال ذلك المشروع، وقد يتذكر البعض إزاحة أمير قطر لصالح ابنه كمحاولة قطرية لاحتواء التغيير المصمم عالميًا بشكل استباقي.
إن وصف المشاريع بهذا الشكل ليس انتقاصا من علاقاتنا مع أصدقاء استراتيجيين وإنما فهم للمستوى الاقتصادي في علاقات السوق المفتوحة.
ولعل سورية بقيت معضلة الاستقرار والضامن له لنجاح مشروع ممتد من الأردن حتى المملكة العربية السعودية، لذلك تركزت التحالفات والمباحثات الروسية الصينية الأمريكية مع قوى الاقليم الاسلامية الايرانية التركية على جغرافية سورية ذات الشرعية العربية لترتيب ملف الكرد واليهود كتعبير ضامن للشركات متعددة الجنسيات بحضور صيني ضخم في البنى التحتية الاسرائيلية، تقابلها ملكية أمريكية كاملة للمناطق الكردية، وقاعدة روسية ضخمة في الساحل السوري، بالتوازي مع عقدة ترتيب المصالح في مضيق باب المندب، بعنوان حضور مذهبي لطهران، بينما تتوارى تركيا خلف تيار إرهابي في إدلب، مع حضور شبه صامت بانتظار مباحثات روسية تركية مع دمشق بعد انقشاع مشروع مابعد غزة.