المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس يشارك في الدورة الحادية عشرة للحوار بين الحضارتين الصينية والعربية ببكين

قسم الأخبار الدولية 21/11/2025
شارك المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية بتونس بفعالية في أعمال الدورة الحادية عشرة لمؤتمر الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية التي احتضنتها العاصمة الصينية بكين من 15 إلى 20 نوفمبر 2025، حيث مثّلت المركز الدكتورة بدرة قعلول التي قدّمت مداخلة معمّقة تناولت فيها آفاق التبادل الإنساني والثقافي في إطار مبادرة الحضارة العالمية وما تطرحه من رؤى جديدة لبناء توازن حضاري عالمي أكثر عدلاً وإنصافاً.
وتأتي مشاركة المركز في هذا الحدث انطلاقاً من دوره الفكري والمؤسساتي في متابعة التحولات الدولية وتحليل ديناميات العلاقات العربية–الصينية، إلى جانب اهتمامه بتعزيز التعاون البحثي والثقافي بين ضفّتي طريق الحرير القديم.
ويُعدّ مؤتمر الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية من أبرز المنصّات التي نشأت في إطار منتدى التعاون الصيني–العربي بهدف تعميق التفاهم بين الجانبين وتعزيز مسارات التنسيق الحضاري والثقافي. فمنذ إطلاقه قبل عقدين، تحوّل المؤتمر إلى فضاء حيوي يجمع دبلوماسيين وخبراء ومفكرين وقادة مؤسسات بحثية لمناقشة قضايا الحوكمة، وتطور نماذج التنمية، ودور الحضارات في دعم السلم العالمي.
وتكتسب الدورة الحالية أهمية خاصة لأنها تنعقد في فترة تشهد فيها الساحة الدولية تحولات متسارعة وأزمات معقّدة تمتد من التوترات الجيوسياسية إلى الفجوات التنموية وعدم المساواة في امتلاك المعرفة والتكنولوجيا. وهو ما يجعل الحوار الحضاري أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، خاصة في ظل المبادرات التي طرحتها الصين، وفي مقدمتها مبادرة الحضارة العالمية التي تسعى إلى معالجة اختلال التوازن بين التقدم المادي والتقدم الثقافي وتدعو إلى احترام خصوصيات الحضارات المختلفة وتعزيز التعلم المتبادل بينها.
وفي هذا السياق، تُعنى الدورة 11 للمؤتمر بتعزيز التبادل الإنساني والثقافي باعتباره حجر الأساس لبناء مجتمع صيني–عربي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد، وتحرص على فتح مساحات واسعة للمؤسسات الفكرية والجامعات والباحثين لإثراء النقاش حول نموذج عالمي يقوم على العدالة والاحترام المتبادل والتعاون متعدد الأبعاد.
إعادة الاعتبار لدور الحضارات في تشكيل مستقبل الإنسانية
أكدت الدكتورة قعلول في كلمتها أن الحضارات، منذ آلاف السنين، ساهمت في بناء الأسس المعرفية والقيم الإنسانية التي يستند إليها العالم اليوم. وشددت على أنّ دعم التبادل العلمي والثقافي بين الشعوب لم يعد خياراً ثانوياً، بل ضرورة تاريخية لضمان استمرار التطور الإنساني. وأشارت إلى أن اقتصار المعرفة على قوى أو مجموعات محددة يخلق حالة من اللاتوازن الدولي ويُضعف فرص التطور الجماعي.

الحوار بين الحضارات كركيزة للحوكمة العالمية العادلة
أبرزت الدكتورة قعلول أن تعزيز الحوار بين الثقافات يمثّل اليوم عنصراً أساسياً لدعم الحوكمة العالمية وتحقيق التنمية الشاملة. فالعالم يواجه تحديات متفاقمة في مجالات الأمن، والاقتصاد، والتكنولوجيا، والبيئة، وهو ما يستوجب نماذج تعاون جديدة أكثر شمولاً وعدلاً. واعتبرت أنّ التركيز على التكامل الثقافي والتعلم المتبادل يساهم في خلق بيئة دولية أكثر استقراراً ويمنح الشعوب قدرة أكبر على تقرير مصيرها بعيداً عن الضغوط والأحادية.
كما شددت على أهمية دعم التبادلات الشعبية والعلمية بين الصين والدول العربية، معتبرة أن هذا النهج يمهّد لخلق فضاء تعاون إنساني قائم على الشراكة والاحترام المتبادل، وسيساعد في صياغة مقاربات مشتركة لمعالجة القضايا الدولية والإقليمية.
رفض منطق الصراع وتعزيز نموذج التكامل الحضاري
وخلال تحليلها لسياقات التطور الفكري والسياسي العالمي، تطرّقت الدكتورة قعلول إلى النظريات التي روّجت لفكرة صدام الحضارات منذ تسعينيات القرن الماضي، معتبرة أنّ هذه المقاربات لم تعكس سوى رؤية أحادية للعالم، وساهمت في تكريس الانقسامات وإضعاف إمكانات التعاون الدولي. وفي مقابل ذلك، أكدت أنّ المسار الذي تدعو إليه الصين – والقائم على التفاهم والتكامل الحضاري – يفتح الباب أمام نموذج عالمي جديد أكثر توازناً وعدلاً.
دور الصين في دعم التحديث والتطوير المشترك
أشارت الدكتورة قعلول إلى المكانة المتصاعدة التي اكتسبتها الصين كشريك أساسي للدول العربية، خاصة في مجالات التكنولوجيا، والبنية التحتية، والتعليم، والتبادل الثقافي، معتبرة أن مبادرة الحزام والطريق وما رافقها من مشاريع كبرى قد وفّرت فضاءً واسعاً للتعاون المتكافئ القائم على الربح المشترك.
كما أكدت أن الإجراءات المعلن عنها خلال قمم التعاون الصيني-العربي والصيني-الأفريقي، وخاصة “خطة عمل الشراكة من أجل التعلم المتبادل بين الحضارات”، تُمثّل مساراً عملياً لترجمة المبادئ النظرية لمبادرة الحضارة العالمية إلى برامج ملموسة.
نحو مستقبل مشترك قائم على السلم والتوازن
في ختام مداخلتها، شددت الدكتورة قعلول على أن العالم لن يحقق تقدماً حقيقياً دون إرساء حوار حضاري شامل، واعتبار التبادل الإنساني ركيزة أساسية للتنمية العادلة. وأكدت أنّ التعاون الصيني العربي بدأ يتخذ أبعاداً حضارية أعمق، تتجاوز المستوى الاقتصادي نحو شراكات ثقافية وتعليمية مبنية على الثقة المتبادلة ورؤية مستقبلية مشتركة.
واعتبرت أن التجربة الصينية – من مسيرة الإصلاح إلى الخطط الخمسية وصولاً إلى بناء مجتمع المستقبل المشترك – تشكل نموذجاً يمكن للدول العربية الاستفادة منه في مسارات التحديث والتنمية والاستشراف.



