المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية

إعداد قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 12-10-2025
يُعَدّ كتاب “المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية” عرضًا مكثفًا للأسس النظرية التي تقوم عليها الفلسفة الماركسية ـ اللينينية، كما صاغها جوزيف ستالين في إطار تبسيطي موجَّه للكوادر الحزبية والمثقفين السوفييت في ثلاثينيات القرن العشرين.
يهدف الكتاب إلى تحديد المفاهيم الجوهرية في الفلسفة الماركسية وتوضيح العلاقة العضوية بين المادية الجدلية (الديالكتيكية) كمنهج لفهم الطبيعة والواقع، والمادية التاريخية كمنهج لفهم المجتمع وتطوره.
إنه، في جوهره، محاولة لتقديم الأساس الفلسفي للماركسية بلغة عملية ومباشرة، تُحوّل الديالكتيك من نظرية مجردة إلى أداة تحليل للواقعين الطبيعي والاجتماعي.
المحاور الرئيسية
المادية والجدل: تحديد المفهوم والأساس الفلسفي
يرى ستالين أن المادية هي الاعتراف بأسبقية الوجود المادي على الفكر؛ فالعالم الخارجي موجود وجودًا موضوعيًّا مستقلًا عن وعينا، والفكر ليس إلا انعكاسًا لهذا الوجود في الذهن.
بينما الديالكتيك هو المنهج الذي يفسّر الطبيعة لا بوصفها ساكنة أو متجزئة، بل بوصفها كلًّا متحركًا متغيرًا، تخضع ظواهره لصيرورة مستمرة من التناقض والتطور والتحوّل.
ويحدد ستالين السمات الأربع الأساسية للمنهج الديالكتيكي كما ورثها عن إنجلز:
- الترابط الشامل بين الظواهر: لا شيء معزول، بل كل شيء متصل بغيره.
- التغيّر الدائم: الطبيعة في حالة حركة لا تتوقف، ولا وجود لثبات مطلق.
- تحوّل الكم إلى كيف: التراكم الكمي في الظواهر يؤدي إلى تحولات نوعية.
- صراع الأضداد: التناقض الداخلي في الأشياء هو محرك تطورها.
بهذا المعنى، المادية الديالكتيكية ترفض الميتافيزيقا التي تنظر إلى الأشياء كحقائق جامدة وثابتة، وتؤكد أن الحركة والتناقض هما جوهر الوجود.
المادية التاريخية: تطبيق المنهج الديالكتيكي على المجتمع
إذا كانت المادية الديالكتيكية تفسر الطبيعة، فإن المادية التاريخية تفسر المجتمع والتاريخ الإنساني بالاعتماد على نفس المبادئ.
يرى ستالين أن الأساس المادي للمجتمع هو نمط إنتاج الحياة المادية، أي طريقة إنتاج الناس لوسائل عيشهم. ومن هذا الأساس تنبثق البنية الفوقية: السياسة، الأخلاق، الدين، والفكر.
يتغير المجتمع بتغيّر علاقات الإنتاج، التي تتطور بدورها نتيجة لتغيّر قوى الإنتاج (التقنيات، الأدوات، المهارات).
فعندما تنشأ تناقضات بين قوى الإنتاج المتطورة وعلاقات الإنتاج القديمة، تندلع الثورات الاجتماعية، فيتحول النظام الاجتماعي إلى شكل جديد
وهنا يظهر الطابع الجدلي للتاريخ الإنساني: فكل نظام يحمل في داخله نقيضه، وكل تقدم هو نتيجة لصراع بين قوى متعارضة.
الوعي الاجتماعي والبنية التحتية
يُشدّد ستالين على أن الوعي الاجتماعي — من فكر وأيديولوجيا وثقافة — ينعكس عن البنية التحتية المادية، لكنه في الوقت نفسه يؤثر فيها.
وهذا ما يُظهر الطابع غير الميكانيكي للماركسية كما يشرحها ستالين: فالعلاقة بين المادة والفكر جدلية متبادلة، وليست علاقة سببية أحادية.
غير أن الأصل دائمًا مادي؛ فالفكر تابع لتطور وسائل الإنتاج وليس العكس.
الفارق بين المادية والمثالية
يخصّص ستالين مقطعًا واضحًا للمقارنة بين المادية والمثالية:
المادية ترى أن العالم المادي سابق على الفكر، وأن الفكر نتاج له.
المثالية ترى أن الفكر أو الروح هو الأصل، وأن المادة نتاج له.
ويُرجع ستالين كل الفلسفات السابقة على الماركسية إلى أحد هذين الموقفين، مؤكّدًا أن المادية الماركسية تتجاوز المادية القديمة لأنها لم تعد جامدة أو ميكانيكية، بل جدلية وحركية.
الفرق بين الديالكتيك الماركسي والديالكتيك الهيغلي
يتوقّف ستالين عند الفرق الجوهري بين ديالكتيك هيغل المثالي وديالكتيك ماركس المادي:
عند هيغل، الجدل هو حركة الفكر التي تُنتج الواقع؛
أما عند ماركس، الجدل هو حركة المادة التي يُعبّر الفكر عنها.
بذلك، “وضع ماركس الجدل الهيغلي على قدميه بعد أن كان واقفًا على رأسه”، كما يقول ستالين مقتبسًا عبارة ماركس الشهيرة.
التاريخ كقانون طبيعي للتطور الاجتماعي
يرى ستالين أن تطور المجتمع الإنساني يخضع لقوانين موضوعية مثل الطبيعة نفسها، يمكن اكتشافها ودراستها.
ليست هذه القوانين مفروضة من الخارج، بل نابعة من داخل البنية الاجتماعية ذاتها، وبالتحديد من التناقضات بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج.
وبهذا، يطرح الكتاب تصورًا علميًّا للتاريخ، في مقابل التصورات الميتافيزيقية أو اللاهوتية التي تُرجع التغيير إلى إرادة إلهية أو أبطال عظماء.
خلاصة نهائية
كتاب ” المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية” بيان فلسفي ـ سياسي يرسم الملامح الرسمية للفكر الماركسي ـ اللينيني.
يُبرز الكتاب كيف تحوّل الجدل الهيغلي إلى أداة علمية لتفسير الواقع المادي، وكيف امتدت قوانينه إلى ميدان التاريخ والمجتمع، فأصبح التاريخ نفسه موضوعًا لعلم يقوم على قوانين التطور الجدلي.
ورغم الطابع الأيديولوجي للنص، فإن قيمته الفكرية تكمن في وضوحه التبسيطي، الذي مكّن من فهم جوهر الماركسية في صيغتها الكلاسيكية:
أن العالم لا يُفهم إلا من خلال تطوره وتناقضاته، وأن التغيير الاجتماعي ليس فعلًا أخلاقيًا أو دينيًا، بل نتيجة لقوانين موضوعية تحكم حركة المادة والمجتمع.
– تأليف: جوزيف ستالين
– ترجمة: قدري محمود حفني