أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

صحيفة هآرتس العبرية: “الحرب الأهلية” تلوح في الأفق؟!

قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 31-03-2024

يعد الانقسام الإسرائيلي بين الجمهور العلماني والديني سمة أساسية في البنية التركيبية للكيان الصهيوني، وعلى الرغم من تماسك هذا المجتمع لعقود طويلة إلا أن حدث 7 أكتوبر 2023 والحرب التي تلته تعيد الحديث عن إمكانية تناحر أطياف مجتمع أشبه بقطع الأحجية، وبالفعل بدأت معالم صعوبة الانصهار المجتمعي مؤخراً في أزمة المتدينين المتطرفين والذين يطلق عليهم تسمية “الحريديم”  وقضية الإصلاح القضائي.

وما الخلافات في المستوى السياسي سوى إنذار لما هو قادم بعد أن تضع الحرب أوزارها.

في هذا الإطار، نشرت صحيفة “هآرتس” الصهيونية  مقالاً يشير إلى الرؤية المتناقضة بين التيار الديني والعلماني لأحداث 7 أكتوبر، حيث يعتبر الأول الحدث امتداداً دينياً لفشل إسرائيل الكبرى فيما يعتبر الثاني بأنه “ثمن لم يكن بالضرورة يجب دفعه”. بالإضافة إلى الحديث عن قضية الإصلاح القضائي والجدل حولها بين الطرفين واستغلال اليمين المتطرف للقضية لإضعاف السلطة القضائية والإجهاز على المعارضة ووسائل الإعلام.

يواجه المجتمع الإسرائيلي رؤيتان واضحتان لا يمكن التوفيق بينهما – للجمهور العلماني وجمهور اليمين. هذا الأخير يستغل ما يسمى بالإصلاح القضائي للحكومة والحرب المستعرة في غزة لتحقيق أحلامه في الخلاص.

من الممكن فهم ما يسمى بالإصلاحات القضائية والجهود التشريعية الأخرى لحكومة نتنياهو الحالية، التي يقودها وزراء الصهيونية الدينية أوتسما يهوديت بيزاليل سموتريش وإيتامار بن جفير وزملاؤهم في أحزاب الائتلاف أنها تهدف إلى إزالة جميع العقبات في طريق السيادة اليهودية على إسرائيل الكبرى: إضعاف السلطة القضائية، وخاصة محكمة العدل العليا، بحيث لا يمكنها اتخاذ إجراءات ضد قرارات الحكومة، حتى لو كانت تتعارض مع مبادئ إعلان الاستقلال والقوانين الأساسية والقانون الدولي؛ وإزالة الشروط التي تمكّن أحزاب المعارضة من استبدال الائتلاف في الانتخابات؛ وإسكات وسائل الإعلام الناقدة المستقلة وانتزاع السيطرة عليها إلى أن يتم تعبئتها بالكامل؛ وقمع منتقدي سياسات الحكومة ؛ وهلم جرا…

بعد أسبوع من مذبحة سكان النقب الغربي في 7 أكتوبر، نشر البروفيسور يوئيل إليتسور، عالم العبرية والكتاب المقدس، مقالًا على موقع Srugim، الموقع الرائد للجمهور الصهيوني الديني، قال فيه إن مذبحة حماس كانت جزءاً من خطة الله للإسرائيليين الذين “يجلبون المصائب للشعب اليهودي ويحبطون الخطة الإلهية”.

ورأى صاحب البلاغ وجود صلة بين المذبحة والعلمانية والفشل في النهوض بفكرة “إسرائيل الكبرى”. بعبارة أخرى، استخدم الله حماس، كما هو الحال مع النازيين، لإلحاق الضرر بمن يرفضون التعاون مع مخططه.

تردد صدى تعليقات إليتسور في مقابلة في 1 نوفمبر من قبل وزير المالية سموتريتش، على قناة كان 11 الإخبارية: “ربما كنّا بحاجة إلى استيعاب هذه الضربة الرهيبة والمؤلمة حتى نتذكر لثانية واحدة من نحن وما نحن عليه”.

بعبارة أخرى، وقعت المذبحة لتذكير الشعب اليهودي بغرضها في العملية المسيانية (توبة اليهود والعودة عما هم فيه من فساد أخلاقي كشرط أساسي لمجيء الخلّص).

في المقابل، يرى الجمهور اليهودي العلماني أحداثاً مثل وعد بلفور على أنها حجر الزاوية في إنشاء دولة للشعب اليهودي في وطنه والحفاظ عليها، استناداً إلى مبررات سياسية وتاريخية وقانونية وأخلاقية راسخة، حتى لو كان بعضها يختلف عن تلك التي تقف وراء إنشاء دول قومية أخرى بعد الحرب العالمية الأولى.

يرى هذا الجمهور إسرائيل على أنها “الملاذ الآمن للشعب اليهودي”، الذي يوجد في ضوء القيم المكرّسة في إعلان استقلال إسرائيل – ولا سيما الديمقراطية والمساواة والعضوية في أسرة الأمم المتحّدة.

هذه الرؤية، التي نشأت مع الآباء المؤسسين للدولة، سيتم القضاء عليها إذا نجح الإصلاح القضائي. ولن تكون قادرة على الاستمرار إلا إذا كان هناك انفصال عن الفلسطينيين، في إطار سياسي قائم على دولتين.

على الرغم من أن استطلاعات الرأي تظهر انخفاضاً في دعم حل الدولتين داخل المجتمع الإسرائيلي اليهودي، إلا أن أولئك الذين يدعمون الانفصال عن الفلسطينيين يظلون الأغلبية. وبناءً على ذلك، يُنظر إلى 7 أكتوبر وعواقبه على أنها ثمن لم يكن بالضرورة يجب دفعه.

إذا رسخت إسرائيل نفسها مع حكومتها في هذا النهج، والذي يبدو واضحاً بالفعل ويتوافق مع خطة “اليوم التالي” التي قدمها نتنياهو، إذا استمرت في الانقلاب القضائي واعتبرت 7 أكتوبر والحرب التي تلت ذلك أحداثاً تضمن سيطرتها الأبدية على الأراضي وعلى الشعب الفلسطيني الذي يسكنها – فسوف تنجر إلى مواجهات عنيفة للغاية بين الشرطة وكلا مؤيدي ومعارضي الانقلاب.

وفي الوقت نفسه، سوف تنجرف البلاد – في وقت الهشاشة الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والأخلاقية – إلى مواجهات مختلفة مع الشعب الفلسطيني والعالم العربي والمجتمع الدولي، وفي المقام الأول مع الولايات المتحدة الأمريكية…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق