أخبار العالمالشرق الأوسط

المجتمع الأهلي والمجتمع المدني


سوريا- سلميان الكفيري-18-9-2020

يجب أن نميّز أولاً بين غريزة القطيع وهي سلوك فطري غريزي عند الحيوان والدافع الإجتماعي وهو مكتسب ويتطور بتطور التجربة الإنسانية والجماعة والمجتمع ويعكس خبرة الفرد وضرورة الإجتماع مع باقي أفراد جنسه لتامين حاجاته الأساسية وضمان حياته من الهلاك بالدفاع المشترك ضد الطبيعة وحيواناتها .


المجتمع الأهلي :


المجتمع الأهلي محكوم بروابط ومحددات أولية تحيل الإنسان فيه إلى انتماءاته الأولية التي لا إرادة له فيها، وتجعله يعمل في الوقت نفسه، على ترسيخها وتقويتها بما يتعرض له من عمليات تنشئة اجتماعية متولدة عن عمل مؤسسات أهليه أو حكومية تعيد إنتاج عناصر انتماءاته، وترتب أولوياتها بما يخدم توجهات هذه المؤسسات.
المجتمع الأهلي له مقوماته وخصائصه ومكونات وجوده وآليات الدفاع عن هذا الوجود.

تتكامل هذه المقومات للمحافظة على وجوده، والعمل على إقصاء ما يعطل توجهه، ويستعمل في عملية الإقصاء هذه شتى أنواع العنف وصولاً إلى القتل الرمزي بهدر الدم.

المجتمع الأهلي بتفاعل الموروث مع خصائص العصر لم يعد مجتمعاً أهلياً كما كان ، لأن مقوماته لم تعد قادرة على الثبات في وجه رياح التغيير ولا على تلبية متطلبات الحياة الحديثه ، ولم يتحول في الوقت نفسه إلى مجتمع مدني بخصائص ومتطلبات وعناصر وجود جديدة، لذلك خسر المجتمع الأهلي نفسه، ولم يحظ بانتمائه المدني.. فالمجتمع المدني كمفهوم ينهض على عناصر أساسية أولها الشعور والوعي بالإنتماء إلى المجتمع والدولة بوصفهما دائماً في طور التشكل من الوجهة المعيارية، وثانيها المراقبة والمساءلة بما تتيحه الديمقراطية كنظام حكم ومنهج.
الفرق بين المجتمع الأهلي والمجتمع المدني.

هناك فروق لا حصر لها بين المجتمع الأهلي والمجتمع المدني ، فمن ناحية الإنتاج ، ومن ثم علاقات الإنتاج ، يرتبط المجتمع الأهلي بالإنتاج الصغير (عائلي ، أبوي ، للإكتفاء الذاتي وبالأساس) أما المدني فمرتبط بالإنتاج الكبير والموسع سواء أكان أفقياً أم عمودياً. وتختلف أهداف المجتمع الأهلي بسعيه إلى تعزيز هيبة العشيرة والطائفة والعائلة والقومية ، بينما المجتمع المدني يهدف إلى تعزيز وتطوير الحياة السلمية التي تمثل حاجة لمجتمع المدينة لغرض تطوير إنتاجيته وازدهاره ..

بيئة المجتمع الأهلي (ريف ، صحراء ، جبال) قاسية وخشنه بينما بيئة المجتمع المدني مدينة كبيرة بشوارعها وبناياتها واتصالاتها .. منظمات المجتمع الأهلي بدائية بينما المدني متطورة ، سواء تم الحديث عن الروابط أم الجمعيات أم الإتحادات أو حتى النوادي .. الطب الأهلي شعبي بينما الطب والعلوم في المدني أكاديمي ويحتاج إلى الترجمة والتأليف والعلاقات الدولية والسفر والبعثات..

فنون المجتمع الأهلي الشعبية من ربابة ورسم وغيرها مرتبطة بصناعة بدائية (جلد.. خشبه الخ…) ولا تعتمد على الدراسة ، بينما الفن المدني أكاديمي وتعليمي، ومن الناحية الفكرية نجد المجتمع الأهلي لا يستطيع إنتاج أكثر من الأمثال والحكم الشعبية ، بينما المجتمع المدني من أولى إنتاجياته العلوم والفلسفة.

أما مفاهيم المجتمع الأهلي فهي متخلفة بالنسبة لمفاهيم المجتمع المدني ، فنراها تعتمد على الخشونة والفروسية والثأر والنخوة، بينما المجتمع المدني مفاهيمه متطورة إلى حد بعيد : السلام والتكاتف والإنسانية والطرافة والصداقة والتعاون والقانون..

الأدب في المجتمع الأهلي هو الأساطير والخيال الشعبي وتنتشر فيه الخرافة والغيبيات وهو عادة شفهي في حين أن العلوم لم تأخذ صفتها الشعبية بعد، بينما المجتمع المدني مدارس أدبية ومذاهب..

تقاليد المجتمع الأهلي سمتها الأساسية المحافظة والتمسك بالموروث وتقديسه في بعض الأحيان، أما المجتمع المدني فهو جدلي واقعي متطور ويعمل على التطوير، ولا يمكن أن يتوقف المجتمع المدني على عكس الأهلي، إلى سقف محدد متوارث عادة ، وموقف المجتمع الأهلي من المرأة متزمت وسلبي عادة ، أما المدني فإيجابي ، وهذا أيضاً مرتبط بشكل معين بمستوى تطور القوى المنتجة.

تكاتف المجتمع الأهلي تحكمه مصالح عشائرية ، طائفية ، عائلية ، أما في إطار المجتمع المدني فهو تكاتف مدني متطور . المجتمع الأهلي يعتمد في حل مشاكله على العرف الإجتماعي ولا يميل الى صياغة دساتير أو قوانين عامة ، بل هو لا يرغب في تشكيل دولة إلا القومية منها أو الطائفية…الخ .
محرمات المجتمع الأهلي

المجتمع الأهلي بيئة مناسبة لتطور الإشكالات (ومنها الحرب الأهلية) بينما المجتمع المدني لا يوفر مثل هذه الأجواء أو على الأقل يضعفها ولا يشجع عليها .


المجتمع المدني :
المجتمع المدني كمفهوم ينهض على عناصر أساسية هي باختصار:
ــ الشعور والوعي بالإنتماء الي المجتمع والدولة. (المواطنة) هي أساس الإنتماء المشترك للناس جميعاً على اختلاف انتماءاتهم الفرعية فهي تتصدر الإنتماءات جميعاً دون أن يلغيها.

ـ المراقبة والمساءلة بما تتيحه الديمقراطية كنظام حكم ومنهج سلوك بما يضمن الحقوق والواجبات والعمل بموجبهما حسب ما تقتضيه المواطنة ويفرضه الحس المدني في العلاقة مع الذات ومع الآخر.


مما لاشك فيه أن تنظيمات المجتمع المدني هي تنظيمات (وضعية) وليست (طبيعية )فهي من صنع الإنسان وتقوم بناء علي حاجته إليها ، وتختفي أو تستبدل عندما تنتفي حاجة الناس إليها أو وجدوا حاجة في استبداله،ا.لذلك فهي تنظيمات أنية مرتبطة بالحاجة وفي نفس الوقت ليست أزلية ولا دائمة فهي تخضع لقوانين التطور الإجتماعي،وهي تشمل قطاعا واسعا من الأنشطة تبدأ بمجال الخدمات بمختلف أنواعها وأشكالها من صحية وثقافية وتنتهي بالمجالات السياسية التي تختص بها عادة الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى .والتجانس بين الأفراد القائمين علي مؤسسات المجتمع المدني أمر ضروري ومطلوب …

وينطوي مفهوم المجتمع المدني على ثلاثة مقومات أو أركان أساسية :الأول هو الفعل الإرادي ، فالمجتمع المدني يتكون بالإرادة الحرة لأفراده ، والركن الثاني هو التنظيم الإجتماعي ، فالمجتمع المدني هو مجموعة من التنظيمات وكل تنظيم فيها يضم أفراداً أو أعضاء اختاروا عضويته بمحض إرادتهم الحرة ، أما الركن الثالث للمجتمع المدني فهو ركن أخلاقي سلوكي.

أختم هذا المدخل بفكرة هامة وضرورية ..تلازم المجتمع المدني بالديمقراطية أي لا مجتمعا مدنيا بدون ديمقراطية ولا مجتمعا مدنيا في ظل الحكومات المستبدة ..مجتمع مدني يعني ديمقراطية والجميع مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات يحتكمون للقانون وتعمل مؤسسات المجتمع المدني على استنهاض الطاقات للإبداع والتآلف وتأمين الحاجات وحماية المواطن والدفاع عنه …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق