الجيش الإسرائيلي وقيوده الاستراتيجية: من الفشل الميداني إلى التراجع السياسي
إعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية 18-11-2024
تواجه إسرائيل تحديات استراتيجية متزايدة على مدار عملياتها العسكرية، حيث يعكس أداء جيشها في الميدان تراجعًا ملحوظًا رغم تقنياته المتقدمة. يُظهر الجيش الإسرائيلي صورة قوية من خلال السردية الإعلامية التي يبنيها، والتي تعتمد على وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي لنقل رسائل تعزز من مكانته كقوة عسكرية رائدة. إلا أن هذا التصور الإعلامي يصطدم بالواقع الميداني، حيث يواجه الجيش مشكلات لوجستية واستخباراتية وتكتيكية تؤثر على فاعليته وقدرته على تحقيق أهدافه. رغم تقدمه التكنولوجي، إلا أن التحديات العسكرية التي يواجهها في مواجهة خصوم يستخدمون أساليب غير تقليدية مثل الأنفاق والهجمات المفاجئة تكشف عن محدودية التفوق الإسرائيلي. هذه التحديات لا تؤثر فقط على سير العمليات العسكرية بل تؤدي إلى تقليل الدعم الداخلي والضغط السياسي على الحكومة، مما يفضي إلى تراجع سياسي ينعكس في ضعف الثقة في قدرة الجيش على حماية الأمن القومي.
تحليل السردية الإعلامية للجيش
تكشف السردية الإعلامية للجيش عن مجموعة من الوسائل والأساليب التي يتم استخدامها لتشكيل الصورة العامة والرسائل التي يسعى الجيش لنقلها. من بين هذه الوسائل، الاعتماد على وسائل الإعلام التقليدية مثل التلفزيون والصحف الوطنية، حيث يتم عرض بيانات ومقاطع مصورة تظهر العمليات العسكرية والنتائج الميدانية. تُستخدم أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد كأداة فعالة للوصول إلى شريحة أوسع من الجمهور، مما يتيح نشر المعلومات بشكل مباشر وسريع، وغالبًا ما تُرفق هذه المنشورات بصور وفيديوهات توثق الجهود العسكرية وتبرز البطولات.
تتضمن الأساليب المستخدمة في السردية تعزيز مشاعر الفخر الوطني من خلال قصص إنسانية تظهر الجنود كبطل يحمل قيم التضحية والشجاعة. تُستخدم اللغة المؤثرة والمشحونة بالعاطفة لزيادة تفاعل الجمهور مع الحدث ولتعزيز الدعم للعمليات الجارية. كما تعتمد السردية على إبراز الإنجازات والتقليل من شأن التحديات أو الخسائر، مما يُعزز الشعور بالتفوق العسكري.
ويعتمد الجيش في هذه السردية على إبراز حجم التدمير الذي يلحق بالبنية التحتية العسكرية للعدو كمؤشر على النجاح الاستراتيجي، مع التركيز على العمليات الدقيقة التي تُظهر تكنولوجيا الأسلحة المتطورة والقدرة على تحقيق أهداف محددة. بجانب ذلك، تُبرز السردية الإنجازات التكتيكية المتحققة في أرض المعركة كخطوة تقرب من الحسم النهائي، مما يعزز من صورة الجيش القوي القادر على التعامل مع التهديدات.
أما فيما يتعلق بتأثير هذه السردية على الرأي العام الداخلي، فهي تهدف إلى رفع الروح المعنوية وزيادة الثقة في المؤسسة العسكرية، مما يؤدي إلى حشد الدعم الشعبي للجهود العسكرية وتهيئة البيئة لدعم القرارات المتعلقة باستمرار العمليات. ينعكس هذا الدعم في النقاشات العامة وفي وسائل الإعلام التي تردد الرسائل نفسها، مما يعزز من ترسيخ صورة الجيش كحامٍ للوطن وصمام أمان.
على الصعيد الدولي، تُشكل السردية الإعلامية أداة للردع الدبلوماسي ولإظهار القوة أمام الخصوم والحلفاء على حد سواء. الرسائل الموجهة للخارج غالبًا ما تُظهر الالتزام بالقوانين الدولية واحترام حقوق الإنسان، مع التأكيد على أن العمليات العسكرية تستهدف أهدافًا محددة للحفاظ على الأمن والاستقرار. هذا النهج يهدف إلى كسب التعاطف وتجنب الانتقادات الدولية التي قد تضر بالصورة العامة للجيش والدولة.
إجمالاً، السردية الإعلامية للجيش تُبنى بأساليب متعددة تُراعي تحقيق أهداف داخلية وخارجية، وتستند إلى الترويج للإنجازات وتوظيف اللغة المؤثرة، مع الاستفادة من الوسائط الحديثة لضمان وصول الرسائل بأقصى تأثير ممكن.
الإنجازات التكتيكية والاستراتيجيات المزعومة
تعتبر الإنجازات التكتيكية والاستراتيجية التي يعرضها الجيش تُعتبر جزءًا من سرديته العسكرية والإعلامية، حيث يتم الترويج لها على أنها نجاحات محققة على أرض المعركة وإجراءات تؤكد فعالية الخطط الميدانية. مع ذلك، تبدو هذه الإنجازات في كثير من الأحيان مجرد مزاعم تهدف إلى تعزيز صورة الجيش أمام الرأي العام، دون توفر أدلة قاطعة على تأثيرها الميداني الفعلي.
وتشمل العمليات التي تُعلن استهداف بنية القيادة والسيطرة لدى العدو وتدمير مخازن الأسلحة ومراكز الاتصالات الاستراتيجية، إلا أن هذا العرض قد يفتقر إلى الشفافية الكاملة فيما يتعلق بنتائج تلك العمليات.
من منظور استراتيجي، تُقدم هذه الإنجازات كأدوات لتعزيز الردع ورفع مستوى الجاهزية القتالية، ولكن يُثار التساؤل حول مدى مصداقية هذه الادعاءات في تحقيق التوازن العسكري الفعلي. وتُستخدم قدرة الجيش المزعومة على ضرب أهداف نوعية دون أضرار جانبية لتعزيز صورته كقوة عسكرية متقدمة، إلا أن هذه الرؤية تبقى خاضعة للتشكيك في ظل غياب الأدلة المستقلة التي تؤكد دقة هذه العمليات.
غالبًا ما تُستغل هذه الإنجازات كأدوات دعائية تسلط الضوء على التطور المفترض في أساليب الحرب الحديثة، مثل استخدام الطائرات المسيّرة وتحليل البيانات في الزمن الحقيقي.
تأثير هذه الإنجازات على التوازن العسكري مع حزب الله يُعرض بشكل يوحي بتراجع قدرة الحزب على المبادرة الهجومية، غير أن المعطيات تشير إلى أن الحزب يستمر في تطوير استراتيجياته الدفاعية والتكتيكات غير التقليدية لمواجهة التحديات. فالعمليات التي يدّعي الجيش نجاحها تُصور على أنها تُضعف بنية حزب الله، لكنه يبالغ فيها لأغراض تعزيز الهيبة والردع الإعلامي دون تأثيرات جوهرية على الأرض.
من ناحية أخرى، يُروّج لتلك الإنجازات باعتبارها ترفع الروح المعنوية للجنود وتزيد من ثقتهم في قدراتهم، بينما تُستخدم أيضًا كوسيلة للتأثير النفسي على العدو. مع ذلك، تظل فعالية هذه الجوانب النفسية محط تساؤل، خاصة في ظل استمرار التوترات والمواجهات المستمرة.
بالمحصلة، ما يُعرض من إنجازات تكتيكية واستراتيجية يظل جزءًا من سردية إعلامية تهدف إلى تعزيز موقف الجيش، في حين يبقى التأثير الفعلي موضع نقاش وتحليل.
فشل ميداني ذريع
يواجه الجيش الإسرائيلي سلسلة من التحديات الميدانية واللوجستية التي تُظهر بوضوح الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية، رغم امتلاكه تقنيات متطورة وقدرات هجومية متقدمة. واحدة من أكبر المشكلات تكمن في ضعف الإمدادات اللوجستية، حيث تواجه القوات صعوبة كبيرة في تأمين الذخيرة، الغذاء، والوقود أثناء العمليات العسكرية، خصوصًا عندما تتعرض خطوط الإمداد لهجمات مستمرة. هذا الأمر يؤدي إلى تأخير في تحركات الجيش، ويعرقل قدرته على تنفيذ المهام العسكرية بسرعة وكفاءة. في المناطق الحضرية، تصبح الأمور أكثر تعقيدًا، حيث يتطلب الوضع إمدادات ومعدات متخصصة، مما يكشف عن ضعف في التنسيق اللوجستي والقدرة على التكيف مع تغيرات الميدان.
إضافة إلى ذلك، يعاني الجيش الإسرائيلي من ضعف التنسيق بين الأفرع العسكرية المختلفة مثل البرية والجوية والاستخبارات، مما يؤدي إلى إرباك في العمليات المشتركة. في بعض الحالات، يتعين على القيادة اتخاذ قرارات سريعة تحت ضغط هائل، ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة من شأنها تعقيد الأمور أكثر وتسبب فشلًا في تنفيذ الأهداف المحددة. هذا الضعف في التنسيق والقرار يؤثر بشكل كبير على فعالية الجيش ويجعله عرضة للخسائر.
فيما يخص الجانب الاستخباراتي، رغم التطور التكنولوجي، يواجه الجيش الإسرائيلي تحديات في الاعتماد على الاستخبارات المفتوحة والميدانية. غالبًا ما يكون هناك خطأ في تقدير نوايا العدو أو في جمع وتحليل المعلومات، ما يؤدي إلى قرارات عسكرية خاطئة. هذه الأخطاء الاستخباراتية تضعف القدرة على اتخاذ الإجراءات المناسبة وتؤدي إلى خسائر غير ضرورية.
الضغوط النفسية على الجنود الإسرائيليين تشكل عاملًا آخر من العوامل التي تضعف أداء الجيش. بسبب الحروب المستمرة والمواقف المعقدة، يعاني الجنود من انخفاض الروح المعنوية وضغوط نفسية شديدة، ما ينعكس سلبًا على أدائهم في الميدان. في كثير من الأحيان، هذا التراجع في الحالة النفسية يؤدي إلى اتخاذ قرارات متسرعة وغير محسوبة، ما يعرقل سير العمليات العسكرية ويزيد من الفرص للخصم لتحقيق أهدافه.
أمام التكتيكات المعقدة للمقاومة الفلسطينية وحزب الله، يظهر الجيش الإسرائيلي ضعفه بشكل أكبر. تعتمد هذه الجماعات على أساليب غير تقليدية، مثل الأنفاق والهجمات المفاجئة، ما يجعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي أن يحافظ على تفوقه التقليدي. ورغم الإمكانيات التكنولوجية المتاحة، إلا أن الجيش يجد صعوبة في مواجهة هذه التكتيكات المتطورة، مما يعزز من قدرة الخصم على تنفيذ عمليات ناجحة وفعالة ضد الجيش الإسرائيلي.
أخيرًا، يلعب الضغط السياسي دورًا مهمًا في التأثير على القرارات العسكرية. حيث تؤثر الضغوط الدولية من الحكومات ومنظمات حقوق الإنسان على الجيش الإسرائيلي في اتخاذ قرارات سريعة وانهاء العمليات في أقصر وقت ممكن. هذا التسرع في اتخاذ القرارات يؤدي إلى فشل بعض العمليات العسكرية ويكشف عن ضعف في التخطيط والتنسيق على المستوى العسكري، حيث غالبًا ما يُبنى القرار على اعتبارات سياسية أكثر منها عسكرية، مما يعرض الجيش إلى مواقف غير مواتية.
هذه التحديات الميدانية واللوجستية توضح بجلاء الفشل الذي يعاني منه الجيش الإسرائيلي في معاركه، حيث تبرز عيوبه في التأقلم مع بيئات قتالية معقدة، ضعف التنسيق بين الأفرع العسكرية، وكذلك عجزه عن التعامل بفعالية مع التكتيكات الجديدة التي يستخدمها خصومه.
في الختام، تبرز التحديات الميدانية التي يواجهها الجيش الإسرائيلي كنقاط ضعف حاسمة في معادلة قوته الاستراتيجية. على الرغم من التفوق التكنولوجي والقدرات العسكرية المتقدمة التي يمتلكها، إلا أن مشكلات التنسيق اللوجستي والاستخباراتي، إلى جانب استراتيجيات خصومه غير التقليدية، تضعف من قدرته على تحقيق انتصارات حاسمة. كما أن السردية الإعلامية التي يسعى الجيش لبنائها غالبًا ما تصطدم بالواقع الميداني، مما يثير تساؤلات حول مصداقية هذه الإنجازات. في ظل هذه المعوقات، يواجه الجيش الإسرائيلي تراجعًا سياسيًا متزايدًا نتيجة للضغوط الداخلية والخارجية، مما يعكس ضرورة إعادة النظر في استراتيجياته العسكرية وتطوير قدراته لمواجهة التحديات المستقبلية.