الجزائر والمغرب : هل دقّت طبول الحرب؟
نورشان ساسي
تشهد منطقة شمال إفريقيا توترا على وقع تأجج الأوضاع بين بلدي الجوار الجزائر و المغرب، حيث اشتدّ الخلاف بين الطرفين منذ فترة، و قد أصبح حديث المهتمين بهذا الملف حول إحتمالية نشوب مواجهة عسكرية بين البلدين .
فما أسباب الخلافات؟
وهل سيفضي ذلك الى اللجوء للسّلاح؟
تصعيد وتبادل إتهامات بين الجارتين
يواصل كل من المغرب و الجزائر في تبادل الإتهامات منذ فترة، حيث يتّهم الجزائر المغرب بالقيام بأعمال عدائية ضدّه،
وقالت الرئاسة الجزائرية في بيان لها في شهر نوفمبر الجاري، أنه تم إغتيال ثلاثة رعايا جزائريين في قصف عشوائي لشاحنتهم أثناء تنقلهم بين نواكشوط وورقلة، عن طريق طائرة مغربية بدون طيّار “درون” ، و لم يلقى هذا الإتهام ردّا رسميا من المملكة المغربية .
في 31 أكتوبر، أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون قرارا بعدم تجديد عقد إستغلال خط أنابيب الغاز الذي يزوّد إسبانيا بالغاز الجزائري مرورا بالمغرب، وترسل الجزائر منذ 1996 حوالي 10 مليار متر مكعّب من الغاز الطبيعي سنويّا الى إسبانيا والبرتغال، وتمرّ أنابيب الغاز عبر الرباط التي تحصل بدورها على نحو مليار متر مكعّب من الغاز الطبيعي أي ما يمثّل 97٪ من احتياجاتها، وهو ما يمثّل قرارا مؤثرا على توفير الإحتياجات الخاصة لهذه البلدان التي تنتفع بالغاز الجزائري.
وخلال شهر سبتمبر المنقضي، قررت الجزائر إغلاق مجالها الجوّي أمام الطائرات العسكرية والمدنية المغربية وهو ما إعتبره المغرب أنه قرار غير مبرّر.
في 24 أغسطس، أعلن الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب على خلفية اتهام الجزائر للرباط بالقيام بأعمال عدائية ضدّه والوقوف وراء دعم جماعات تسببت في الحرائق الهائلة التي شهدتها عدة ولايات جزائرية خلال فترة الصيف، ومن جهته عرض المغرب على الجزائر المساعدة في إخماد الحرائق الا أن الجزائر رفض ذلك وشدد على قطع المعاملات بين البلدين معتبرا المغرب تهديدا لأمنه.
واتجهت التصعيدات بين الطرفين إلى المنظمات الدولية حيث قدم الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة ،عمر هلال، في شهر يوليو من السنة الجارية ورقة أعضاء مجموعة عدم الإنحياز يدعوهم لدعم تقرير سمّاه ب”تقرير المصير للشعب القبائلي” واصفا منطقة القبائل بأنها خاضعة للإستعمار الجزائري” وهو ما مثّل ضغط جدّي على الجزائر التي اعتبرت أن المغرب يواصل في تعميق الأزمة واحتدادها، فيما طالبت الخارجية الجزائرية في بيان لها المغرب بتفسير ما حدث إضافة الى سحبها لسفيرها من الرباط.
في المقابل نفى المغرب كل ما توجهت به الجزائر معتبرا أنها مجرّد إتهامات لا أساس لها من الصحة.
الصحراء الغربية جزء من المشكل
تمثل قضية الصحراء الغربية عنصرا مؤثرا في احتداد الصراع بين البلدين وذلك منذ عقود، حيث تدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تسعى الى إستقلال الصحراء الغربية بينما يرى المغرب أن الصحراء جزءا لا يتجزّأ من أراضيه.
ويسيطر المغرب على ما يقارب 80٪ من مساحة الصحراء الغربية وتقترح الرباط منح المنطقة حكما ذاتيا تحت سيادتها.
وفي ذات السياق، وقّع المغرب إتفاقا مع الولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر 2020 تعترف بموجبه واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ، مقابل تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع أسرائيل، في المقابل تطالب جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر بإستفتاء بإشراف الأمم المتحدة لتقرير مصير المنطقة وندّدت الجزائر بهذا الإتفاق الذي اعتبرته تهديدا لاستقرارها.
وتعتبر هذه المنطقة حساسة نظرا للتواجد العسكري الكبير فيها و أيضا لتحرّكات البوليساريو على أرضها، لتصبح مسرحا لحرب عصابات شنّتها الجبهة ضد المغرب سنة 1975 ولا يزال المغرب يعتبر أن هذه المنطقة تابعة لأراضيه الى حد اليوم.
وتعتبر هذه القضية كقضية محورية متسببة في تأزّم الأوضاع بين المغرب والجزائر وقد طالب وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في 27 أيلول 2021 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح الشعب الصحراوي “حق تقرير مصيره” كما إعتبر أن النزاع على الصحراء الغربية هو “قضية تصفية إستعمار لا يمكن حلّها الى عبر تفعيل مبدإ تقرير المصير”.
ويذكر أن الحدود البرية بين البلدين مغلقة منذ 1994 بسبب قضيّة الصحراء الغربية.
هل دقّت طبول الحرب ؟
يحاول المغرب من جهته الجلوس على طاولة الحوار مع الجزائر وينتهج الملك المغربي محمد السادس سياسية اليد الممدودة، من خلال إبداء الإستعداد لمساعدة الجزائر في إخماد حرائق فصل الصيف المنقضي، اضافة الى إرسال تهنئة عند تولي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لمقاليد الرئاسة سنة 2019 ، في مقابل الرفض الجزائري لهذه المحاولات وتأكيد ذلك من خلال قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع جارتها.
وحول التساؤلات عن إمكانية نشوب حرب مسلّحة بين البلدين، يرى المحلل السياسي المغربي رشيد لزرق ، في حديثه لأحد وسائل الإعلام العربية، أن استعمال الرئاسة الجزائرية لمصطلح “أعمال عدائية” هو مؤشر يمكن أن يؤدي الى حرب، فيما يستبعد محللون آخرون هذه الفرضية، وذلك نظرا للخسائر التي ستكون مكلفة بالنسبة للطرفين وستؤثر أيضا على كل منطقة شمال إفريقيا كما أن الحل لفض النزاع لابد من أن يكون ديبلوماسيا لحفظ علاقات الجوار.
من جهة أخرى، يرى بعض المهتمين بهذا الملفّ أن الإعلام قد لعب دورا كبيرا في تأجيج الأوضاع وهو تصعيد مبرمج قد يؤدّي الى إنزلاق البلدين في المناوشة المسلّحة، لذلك وجب التحلّي بالعقلانية والعمل على الوصول الى تفاهمات ديبلوماسية سلميّة لتجنّب الوقوع في خسائر تضرّ البلاد والعباد.
ولم تؤكد أي مصادر رسمية أمنية إمكانية التوجه نحو المواجهة المسلّحة وهو ما يعتبره محللون أنها مجرّد إستفزازات بين البلدين سيكون حلّها ديبلوماسيا.