أخبار العالمأوروباإفريقياالشرق الأوسطبحوث ودراسات

التنظيم الدولي يتحرّك… والساحة السورية ترتجف: قراءة في خيوط اللعبة الكبرى

ما يجري في الشارع السوري اليوم ليس مجرد موجة غضب، ولا انفجار فوضوي عابر، ولا ” تنفيسة” كما يظن من اعتاد التعامل مع الناس وكأنهم قطع دومينو. الحقيقة أكبر بكثير، وأعمق بكثير، ومن يربط النقاط يفهم فورًا أن المشهد السوري اليوم يدار من خلف ستارة تمتد من لاهور إلى لندن إلى كوالالامبور، وأن الحراك الشعبي لم ينشأ من فراغ بل جاء في لحظة يتبدّل فيها شكل التنظيم الدولي للإخوان نفسه، ويتحوّل من مرحلة التشتت إلى مرحلة “إعادة الهيكلة العالمية” وهنا تبدأ القصة الحقيقية.

قبل أيام فقط، اجتمع التنظيم الدولي في لاهور – باكستان باجتماع ضخم حضرته 141 شخصية تمثّل 41 فرعًا من فروع الجماعة حول العالم. وهذا الاجتماع لم يكن اجتماعًا فكريًا ولا دعويًا؛ هذا كان مؤتمر “إعادة تعريف الدور العالمي للإخوان” بعد عقد كامل من السقوط والتفكك.

والقرارات التي خرج بها الاجتماع كانت أشبه بقرار إعادة تشغيل ماكينة متوقفة بعد صيانة طويلة: تثبيت محمود الإبياري أمينًا عامًا ومشرفًا على الإعلام، تعيين أنس التكريتي نائبًا له، تكليف حلمي الجزار بملف التربية والفكر، والزايط بجغرافيا التنظيم الدولي.

ولكن القرار الأخطر هو: توجيه كل الأقطار بنفي وجود تنظيم عالمي وتغيير مسميات المؤسسات. وهذا وحده يكفي ليخبرك أن الجماعة تستعد لمرحلة تتطلب التخفي، والمراوغة، والمرونة، وإعادة الدخول إلى الساحات تحت أسماء جديدة وبخطاب جديد.

وبينما كانت لاهور تجهّز غرفة العمليات، كان التنظيم الأوروبي يجتمع في تركيا بقيادة عبد الله بن منصور، وبعده بيوم واحد فقط اجتمع رموز الفضاءات الفكرية في كوالالامبور – ماليزيا.

وهنا، ظهرت المفاجأة التي هزّت كل الخبراء: وجود عباس خمايار، الرجل الذي يجلس قرب علي خامنئي، والذي كتب دكتوراه كاملة عن الإخوان المسلمين، والذي يعرف كل مفاصل الجماعة أكثر من ثلث كوادرهم أنفسهم. وجوده مع مهاتير محمد، وولد الددو، وعبد الرزاق مقري لم يكن صورة تذكارية… كان إعلانًا عن أن “المشروع الإخواني لم يعد سنيًا صرفًا ولا تركيًا صرفًا، بل صار جزءًا من منظومة إقليمية أوسع، تُصاغ في مطابخ طهران وأنقرة وكوالالامبور ولندن في الوقت نفسه”.

من يظن أنها اجتماعات فكرية، لا يفهم السياسة. ومن لا يربط بينها وبين الحراك السوري، فهو لا يرى الشطرنج من فوق.

لأنه بمجرد انتهاء اجتماع لاهور، بدأ الإعلام الأمريكي ينشر صورًا لانتهاكات الأمن العام بحق المتظاهرين، والإعلام الفرنسي بدأ يرصد، والآلة الغربية كلها صارت تنظر إلى إدلب كأنها شاشة عرض لحالة قابلة للانفجار. ولو لم يكن هناك “متغير دولي” حقيقي يجري خلف الستار، لما رأينا هذا الانتباه المفاجئ.

الروس يلتزمون الصمت لأن اللعبة ليست لعبتهم… والصينيون ينتظرون لأنهم يعرفون أن هذا التحرك العالمي ليس ببساطة مشروعًا عابرًا. حتى بريطانيا – التي تُعدّ القلب اللوجستي للتنظيم الدولي – مشغولة اليوم بملفات محاكمة أطراف مرتبطة بجبهة تحرير الشام، وفي المقدمة منظمة Inter Mediate. كل شيء مترابط. كل شيء متزامن. كأن هناك ساعة عالمية دقت، وكل طرف أخذ موقعه.

والسؤال هنا: لماذا يرتبط هذا بالحراك السلمي الأخير في سوريا؟

لأن الساحات حين تحرّكت فجأة – وبهذا الهدوء المنظم – وجدت السلطة نفسها لأول مرة “عارية” أمام الغرب، ووجد الجولاني نفسه محاصرًا بسؤالين قاتلين:

إن أطلق النار، يذهب إلى البند السابع ويُصنّف إرهابيًا ضد شعبه، ويُعلن فشله في السيطرة على فصائله.

وإن لم يطلق النار، يسقط هيبته أمام جماعته وينفتح باب التمرد الداخلي.

لهذا قلنا: هو في الزاوية، مهما اختار فهو خاسر. وهذه ليست مصادفة… هذا توقيت. والتوقيت في السياسة أخطر من السلاح.

والقصة لم تنتهِ… لأن هناك أصواتًا بدأت تزايد على الحراك، تقول: “كيف نتظاهر والدروز يريدون دولة والكورد يريدون فدرالية؟”.

وهذه أكبر خديعة تُلقى في وجه أي نهوض شعبي. فالمعادلة واضحة تمامًا: أولًا نرفع الشرعية عن سلطة الأمر الواقع، وبعدها لكل مشروع إطاره وحواره وأرضيته.

المرحلة الحالية ليست مرحلة حسم الملفات الوطنية الكبرى، بل مرحلة كسر الخوف، وتجميع الشارع، وتوحيد الهدف تحت سقف واحد: إنهاء شرعية من يتحكم برقاب الناس بلا سند سياسي ولا قانوني. لذلك نقولها بوضوح:

الهدف الآن ليس إسقاط النظام، بل رفع الشرعية عنه.

لأن كلمة إسقاط تُستخدم لتبرير الفوضى… أما كلمة رفع فهي كلمة الدولة، كلمة القانون، كلمة إنهاء وليس هدم.

وإذا كان التنظيم الدولي يتحرك اليوم على امتداد أربع قارات، فمن الطبيعي أن ترتجف الأرض تحت أقدام الطغاة. ومن الطبيعي أن تبدأ الساحات السورية بالتحرّك، ومن الطبيعي أن تسقط الأقنعة، ومن الطبيعي أن نشعر أن هناك شيئًا كبيرًا، أكبر من مجرد هتاف، يتشكل في الفضاء.

ما يحدث ليس صدفة. وليس موجة غضب. وليس حرارة لحظة.

ما يحدث هو بداية فصل جديد في الصراع على سوريا، فصل تُكتب فيه التحالفات من لاهور إلى لندن، وتُرسم فيه ملامح المرحلة القادمة من فوق رؤوس اللاعبين الصغار. وفي هذا الفصل، لن يكون صوت السلاح هو الحاسم… بل صوت الشرعية.

 الشارع السوري اليوم لديه فرصة تاريخية ليقول كلمة واحدة تغيّر المعادلة كلها: ارفعوا الشرعية عن سلطة الأمر الواقع. ومن يفهم المشهد الدولي يدرك أن الرياح العالمية تغيّرت… ومن لا يرى هذا التغيير اليوم، سيراه حين تشتعل الأحداث أكثر، وحين تنكشف حقيقة هذه الاجتماعات التي لم تُعقد عبثًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق