التعتيم الإعلامي “المقصود” في السودان : يخفي أفضع كارثة انسانية في مجتمع دولي متقاعس
بلقيس العيوني قسم العلاقات الدولية الشؤون الاستراتيجية
تقديم :
تشهد السوان منذ يوم السبت 15 أبريل 2023، حرب دامية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، إنطلقت من العاصمة الخرطوم، ثم انتقلت لولايات ومناطق ومُدن أُخرى، لتكون في توسع متواصل.
حملت هذه الحرب في طياتها الكثير من مشاهد العنف، الجوع، الحزن و مظاهر انتهاك حقوق الإنسان بكل حرية. و بينما تمارس هذه التجاوزات يتسائل العالم عن أخبار ضحايا الحرب التي كانت محدودة على عكس بقية الحروب التي تتمتع بتغطية إعلامية أفضل. فما هي أسباب التعتيم الاعلامي في السودان؟ وما هي مظاهره؟ ثم هل من حلول لهذه الأزمة؟
– أسباب التعتيم الإعلامي:
شهد المواطنون في السودان خلال الاشتباكات الأخيرة بين القوات المسلحة “الجيش” بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، إعتداءات وحشية من كلا الطرفين. فقد شملت التجاوزات تدمير البنية التحتية، بما في ذلك المساكن، دور العبادة، المستشفيات، المؤسسات التعليمية، والمقار الصحفية والإعلامية. كما لم تقتصر الخسائر على الممتلكات و البنايات بل شملت خسائر بشرية و انتهاكات لحقوق الإنسان، تمثلت في قتل، اغتصاب نساء، تعذيب، اعتقال تعسفي، خطف وتجنيد الأطفال. و بناءا عليه ألتجئ طرفا الصراع إلى قمع أجهزة ومؤسسات الإعلام الحر، و إسكات صوتها حتى لا يعلم العالم بممارساتهم وحرمان المواطنين من حقهم الطبيعي والدستوري في الحصول على المعلومات. إضافة إلى ذلك تمارس السيطرة على وسائل الإعلام لتضليل المتلقي بصناعة الأكاذيب، نشر الأخبار الزائفة والمضللة والمغلوطة حتى يصعب على المدنيين الحصول على معلومات دقيقة حول ما يجري في بلادهم وهو شكل من أشكال استغلال الإعلام لتوجيه الرأي العام، بث الدعاية الحربية و كسب المؤيدين.
–مظاهر التعتيم الإعلامي :
تهجير الصحافيين :
يواجه الصحافيون في السودان أخطار داهمة تتمثل في، الاعتقال التعسفي، الإخفاء القسري أو القتل، وفقا لاتهامات من طرف قطبي النزاع. علماً أن الجرائم “المعادين لحرية الصحافة” تمر في إفلات تام من العقاب، وذلك تحت حماية السلطات.
نذكر في هذا السياق مقتل حليمة إدريس سليم، الصحفية السودانية على إثر دهسها بسيارة تابعة لميليشيا قوات الدعم السريع شبه العسكرية يوم 10 أكتوبر في بلدة أم درمان، بالقرب من العاصمة الخرطوم.
العنف القائم على النوع:
كحال الكثير من النساء، تعاني الصحافيات كافة أشكال التمييز ” والعنف الجنسي”. فقد انتهكت حرماتهنّ مع عدم الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان وحقوق المرأة.
ظروف عمل تهدد حياتهم :
لم يعد بإمكان الصحافيين التنقل لتغطية الأحداث بكل حرية و سهولة في ظل إنعدام الأمان فيمكن استهدافهم نظرا لعدم إلتزام الأطراف المتحاربة بالاتفاقيات الدولية التي تضمن حقوقهم.
دور ومقرات صحف متوقفة أو متعثرة :
تم إيقاف و تعطيل دور ومقرات الصحف بالعاصمة الخرطوم وولايات أخرى ، ومحطات الإذاعات والتلفزيونات المحلية الحكومية والخاصة ومراكز التدريب الصحفي والإنتاج والخدمات الإعلامية.
إلى جانب الدمار الناجم عن إستهداف البنية التحتية بسبب وقوعها وسط مناطق الإقتتال، بالإضافة إلى سرقة ونهب وسائل وأدوات الإنتاج الصحفي والإعلامي.
مثال هجمات على مباني الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في أم درمان، ثاني أكبر مدن البلاد من حيث عدد السكان
مراقبة مشددة :
تفرض قيود هائلة، على التغطية الإعلامية وإرهاب ممنهج ضد الصحفيين والصحفيات، ما يعسر نقل الحقائق والمعلومات الدقيقة والمرئية في كل الأوقات بسبب التشديد الممارس على الصحافيين. وفي المقابل، يتم بث رسائل دعائية في وسائل الإعلام العامة الخاضعة لسيطرة الجيش ويضل تهديد قطع الإعلام حاضرا للصحافيين الغير داعمين للدولة. في المقابل يعمل بعض الصحافيين لصالح القطاع العسكري والحركات المسلحة لتأمين مورد رزق. نذكر في هذا السياق التجسس والتنصت على الأشخاص المشتبه بهم.
تم يوم الثلاثاء 2 أبريل 2024،إيقاف قنوات (العربية) و(الحدث) و(إسكاي نيوز).
قطع شبكات الاتصالات :
يشكل انقطاع شبكات الاتصالات في البلاد بالكامل مع ضعف الإنترنت وانقطاعه المتكرر، عائقا جوهريا أمام تواصل الأفراد معا، كما إنه يخلق نوعا من التضليل على المستوى الوطني نظرا لعدم الإخبار بحجم الخطر ،الخسائر، المقودين و خاصة لا تتاح الفرصة لكل لإتخاذ احتياطاتهم. أما على المستوى الدولي فهذا التعتيم يمكن من ممارسة الانتهاكات ضد الضحايا في الخفاء بكل حرية.
مصادرة أجهزة خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية “ستارليتك” :
تتسبب مصادرة أجهزة خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية “ستارليتك” إضافة إلى إنقطاع الأنترنت في تعطيل بعض الخدمات مثل التحويلات البنكية التي تعمل على تقديم المساعدات للنازحين والمواطنين،فهي تستخدم من قبل العديد من منظمات الإغاثة في ظل الأزمة الإنسانية.
حلول الأزمة :
في ظل هذا التعتيم على الصحافي نقل ما أمكن من الأخبار للتوعية بما يواجهه الشعب من معاناة و ذلك من خلال:
– من الضروري التثبت من صحة المعلومة عبر التحقق من مصدرها إن كانت ميدانية و موثوقة لكي لا يسقط الصحفي في فخ الدعاية السياسية في التحيزات الأيديولوجية قد تؤدي إلى مزيد من الانقسام و الفوضى.
– انتقاء المعلومات عند إستضافة المحللين السياسيين والعسكريين و ضرورة أن يكون المحلل متمكنا و له الخبرة و التجربة الأكاديمية التي تتيح له استشراف ما سيحدث في المستقبل حتى لا يقوم بالدعاية السياسية.
– من الضروري توظيف المصطلحات الصحيحة في سياقها للحفاظ عن الحياد.
خاتمة
وسط هذا الدمار والمعانات المستمرة، تنتزع كل أساليب الحياة ، تخفي السّعادة، تموت الأحلام و الطموحات. و يبقى رجاء و أمل السودانيين الأساسي في وقف الحرب واستعادة أرضهم التي راحت ضحية أطماع الأطراف التي أعماها السعي وراء الربح المادي غير مكترثين لما يخلفه هذا السباق الوحشي، من دمار يصعب على الضحايا التعافي منه أو إستعادة نسق حياتهم و حقوقهم التي سلبت منهم، لتتركهم يائسين مستسلمين لما يحمله الزمن من أحداث تحدد لهم مآلهم. ينضاف لهذه العوائق إجبار المواطن السوداني على الكتمان و العيش داخل سجن يمنعه من التعبير عن رأيه أو حتى مشاركة ما يمارس ضده بهدف إنقاذه. فهل سيأتي غد يتمكن فيه الضحايا من التحرر من هذه القيود ؟