أخبار العالمبحوث ودراسات

الإمبراطوريات: منطق الهيمنة العالمية من روما القديمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية

ينطلق هيرفريد مونكلر من سؤال مركزي:

هل يمكن للعالم المعاصر أن يعيش دون قوة إمبراطورية مهيمنة؟

يستعرض الكتاب تطور المنطق الإمبراطوري عبر التاريخ، من الإمبراطورية الرومانية إلى الأمريكية، ليثبت أن كل إمبراطورية كانت تسعى إلى تحقيق النظام والسيطرة باسم “المصلحة العامة للعالم”.

يرى مونكلر أن الإمبراطوريات ليست مجرد كيانات توسعية عسكرية، بل أنظمة شاملة من القوة، والإدارة، والثقافة، والرموز السياسية.

وفي المقابل، فإن مصيرها الحتمي هو التراجع أو التحول عندما تفشل في تجديد نفسها أو في إقناع العالم بشرعيتها.

المحاور الرئيسية للكتاب

  • منطق الإمبراطورية: القوة باعتبارها نظامًا للعالم

يبدأ مونكلر بتفكيك مفهوم “الإمبراطورية”، فيميز بين الدولة القومية التي تقوم على المساواة القانونية والسيادة، والإمبراطورية التي تتأسس على التراتبية والهيمنة.

الإمبراطورية، في نظره، ليست مجرد دولة قوية، بل كيان يرى نفسه مركزًا للنظام العالمي.

من روما إلى الصين، كانت الإمبراطورية دائمًا تدّعي أنها تحمل رسالة حضارية أو دينية أو قانونية لتبرير سيطرتها.

غير أن ما يجمع كل الإمبراطوريات هو منطق السيطرة المركزية على الأطراف، مع تفاوت درجات الخضوع والاندماج.

فالإمبراطورية لا تسعى إلى المساواة بين الشعوب، بل إلى تنظيم تفاوتهم في إطار يخدم المركز.

  • التاريخ المقارن للإمبراطوريات: من روما إلى بريطانيا

في هذا القسم، يقوم مونكلر بقراءة مقارنة لتجارب الإمبراطوريات الكبرى:

روما القديمة: التي مثّلت النموذج الكلاسيكي للإمبراطورية من حيث الإدارة والدمج الثقافي.

الإمبراطورية الإسبانية: التي استخدمت الدين لتبرير الاستغلال.

الإمبراطورية البريطانية: التي اعتمدت الاقتصاد والتجارة بدلاً من الاحتلال المباشر.

الإمبراطورية الروسية: التي جمعت بين القوة العسكرية والهوية العقائدية.

ومن خلال هذه المقارنة، يصل إلى أن الإمبراطورية التي تدوم هي تلك التي تتحول من الاستغلال إلى التنظيم، أي حينما تجعل من التبعية الاقتصادية والسياسية وسيلة لتوزيع بعض المنافع على الأطراف.

  • الإمبراطورية الأمريكية: هيمنة من نوع جديد

ينتقل مونكلر إلى تحليل الإمبراطورية الأمريكية المعاصرة بوصفها ظاهرة فريدة:

فهي إمبراطورية  تفرض نفوذها عبر أدوات جديدة: العولمة الاقتصادية، الهيمنة الثقافية والإعلامية، السيطرة على التكنولوجيا والأسواق المالية، والقدرة العسكرية كوسيلة ردع لا كأداة حكم.

يعتبر المؤلف أن أمريكا تمثل أول إمبراطورية كونية، لأن مفهوم “العالم” لم يعد محصورًا في مناطق نفوذ، بل أصبح يشمل الكوكب كله.

إذ لم يعد هناك “خارج الإمبراطورية”، فالعولمة جعلت الجميع في شبكة واحدة من الاعتماد المتبادل.

لكنّه يحذّر من أن الإفراط في استخدام القوة العسكرية أو تجاهل الإصلاحات الداخلية يمكن أن يقودها إلى المصير ذاته الذي لقيته روما: التصلّب والانهيار.

  • الإصلاح كشرط للبقاء: دروس من التاريخ

يرى مونكلر أن الإمبراطوريات التي استمرت لم تفعل ذلك لأنها كانت الأقوى، بل لأنها امتلكت مرونة سياسية وثقافية.

ويضرب المثل بالإمبراطور أوكتافيوس (أوغسطس) الذي أصلح البنية السياسية لروما بعد قرون من الفوضى، فحوّلها من قوة استغلال إلى نظام سياسي مستقر.

ويستخلص الدرس للأمريكيين:

أن استمرار إمبراطوريتهم يتوقف على قدرتها على تجديد شرعيتها من خلال العدالة الاقتصادية والحوكمة العالمية الرشيدة.

الخلاصة

يُقدّم هيرفريد مونكلر في هذا الكتاب نظرية في الإمبراطورية بوصفها منطقًا منظِّمًا للعالم، أكثر من كونها مجرد مشروع توسعي.

ويؤكد أن الإمبراطوريات ليست استثناءً في التاريخ، بل القاعدة التي تنظّم العلاقات بين الشعوب والدول، وأن انهيارها لا يعني نهاية الهيمنة، بل انتقالها من شكل إلى آخر.

في النهاية، يخلص المؤلف إلى أن الولايات المتحدة اليوم تعيش ما عاشته روما بالأمس: لحظة تردد بين الاستمرار في الهيمنة أو التحول إلى نظام عالمي أكثر شراكة.

فمصيرها، كما يقول، لن يُحسم في الميدان العسكري، بل في ميدان القدرة على الإصلاح الذاتي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق