إعادة ترتيب تحالفات الدول العربية في ظل تقلب ترامب

قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 15-09-2025
تشهد الساحة الإقليمية والدولية تحولات غير مسبوقة نتيجة التصرف الأرعن والهمجي للولايات المتحدة الأمريكية والكيان صهيوني، التي أجبرت دول المنطقة إلى إعادة ترتيب التحالفات.
وتظهر محاولات الدول لحماية سيادتها والتكيف مع قوى كبرى متقلبة بحسب مقال نشرته صحيفة “ذا غارديان” من بعد الضربة الإسرائيلية على قادة حماس في الدوحة، وما تبعه من اجتماعات للرؤساء الخليجيين والعرب، ومن التحالف الذي جمع الهند وروسيا والصين.
هذه التحولات تكشف تراجع اعتماد الدول على أميركا كحليف والبحث عن بديل حقيقي.
لكن السؤال المحوري فهو حول قدرة الدول على الحفاظ على استقرارها وسط هذا النفوذ الأميركي الذي يلبي طموحات الكيان العسكرية والسياسية بشكل متزايد ويستهين بحلفائه ليحقق مطالب “إسرائيل”.
النص المترجم: إعادة ترتيب تحالفات الدول العربية في ظل تقلب ترامب
في جميع أنحاء العالم، يجتمع القادة السياسيون في قمم واجتماعات عُقدت على عجل. الأسبوع الماضي، بعد الضربة الإسرائيلية ضد قادة حماس في الدوحة – وهو انتهاك هائل لسيادة دولة ليست فقط حليفة مقربة للولايات المتحدة، بل ركيزة لمحادثات السلام في غزة – هرع قادة الخليج لإظهار التضامن.
وصل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد آل نهيان، في زيارة غير مجدولة إلى الدوحة واحتضن أمير قطر. كان هذا عرضاً علنياً للأخوة لم يكن يمكن تصوره قبل بضع سنوات فقط، حين كانت الدولتان في صراع مرير.
أما الخصم الآخر لقطر في ذلك الخلاف، السعودية، فقد دعت بعد الضربة الإسرائيلية إلى “رد عربي وإسلامي ودولي لمواجهة العدوان” وإدانة الممارسات الإجرامية ل “إسرائيل”. يوم الأحد، كان رؤساء الدول العربية والإسلامية في طريقهم إلى الدوحة لعقد قمة طارئة.
قبل أكثر من أسبوع بقليل، أشار اجتماع آخر إلى تحالفات جديدة محتملة. التقى قادة الهند والصين وروسيا في تيانجين، في صورة ابتسامات دافئة تبدو وكأنها تعكس سمات هذا العصر. عُقدت القمة في أعقاب نفور دونالد ترامب من حليف آخر، ناريندرا مودي. بعد انتخاب ترامب الثاني، كان مودي من أوائل القادة الذين زاروا واشنطن، حيث وُصف بـ “الصديق العظيم”، وحددت الدولتان هدف مضاعفة التجارة إلى نصف تريليون دولار بحلول عام 2030.
بعد عدة أشهر، فرض ترامب على الهند رسوماً جمركية بنسبة 50٪ على البضائع المستوردة من البلاد، مضاعفة كعقوبة على شراء الهند للنفط الروسي. ثم وصف الاقتصاد الهندي بـ “الميت”، وعلق على قمة تيانجين بنشر تغريدة: “يبدو أننا فقدنا الهند وروسيا لصالح الصين العميقة والمظلمة” وهو الآن يحاول الضغط على الاتحاد الأوروبي لفرض رسوم تصل إلى 100٪ على الهند والصين.
قبل بضعة أشهر فقط من الضربة الإسرائيلية على الدوحة، قال ترامب – أثناء زيارته للعاصمة القطرية –: “فلنحمد الله على بركات هذه الصداقة”. يبدو أن كون المرء صديقاً لترامب أصبح الآن أقل ضماناً للعلاقات الجيدة، وأكثر مؤشراً على احتمال التعرض للخيانة.
بعض هذه الاجتماعات، والتصريحات الجديدة عن التضامن، وتركيز التحالفات الإقليمية، هي، من ناحية معينة، مجرد عروض. فالهند وقطر لا ترغبان في مواجهة ترامب علناً. إنما تعبيراتهما عن الغضب وعروض الصداقة هي لتوضح للولايات المتحدة أن هذه الدول ليست خائنة، وأن هناك حلفاء آخرين متاحين.
لكن من جهة أخرى، تُعد هذه المحاولات أيضاً محاولات حقيقية لاستكشاف الكتل القوية التي يمكن تشكيلها. ما يعوّل عليه ترامب، وبطريقة ما بنيامين نتنياهو، هو أنهما يستطيعان أن يكونا ما يُعرف في مجال المال بـ “صانع السعر” أي طرف قادر على تحديد تكلفة السلع والخدمات بسبب سوق غير تنافسية. ف “إسرائيل” تستطيع قصف من تشاء، والولايات المتحدة يمكنها انتهاك الاتفاقات الأمنية وفرض الشروط الاقتصادية، ولا يحق لأحد الرد أو الانتقام.
لكن إذا طال الأمد، يبدأ الفاعلون العقلانيون بالبحث عن طرق للتكيف مع هذه الظروف السوقية غير المثالية. ذلك ليس بالضرورة لأن هذه الدول التي شعرت بالغربة مؤخراً تعترض على القوة العسكرية للولايات المتحدة أو “إسرائيل”؛ فدول الخليج على وجه الخصوص سعت بحماس لإرضاء الولايات المتحدة ومدحها، وطبعت العلاقات مع “إسرائيل”.
تتم دراسة هذه التحولات ببساطة لأن ترامب غير متزن، و”إسرائيل” خارجة عن السيطرة. يبدأ الناس في تفقد مواردهم، إجراء بعض المكالمات، ومحاولة معرفة رأس المال المتاح لديهم وكيف يمكن تجميعه. وكان لافتاً كيف أن الإمارات، الموقعة على اتفاقيات أبراهام، كانت منذ الضربة على قطر تنتقد “إسرائيل” بصوت عالٍ وبشكل غير معتاد.
وبالفعل، أصبح مصير هذه الاتفاقيات محل تساؤل. في تيانجين، حثّت الصين أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون على استثمار “أسواقها العملاقة” لدعم التجارة والاستثمار فيما بينهم، وأعلنت عن “مبادرة للحوكمة العالمية”، في محاولة واضحة لوضع الصين وحلفائها كضامنين لنظام عالمي جديد، حضر القمة أيضاً دول أخرى مثل تركيا ومصر.
في هذه المرحلة الجديدة من السياسة الخارجية لترامب، يتحوّل القلق بشأن عدم موثوقيته إلى إدراك أن الانكشاف المفرط على نزوات نظامه يشكل خطراً مباشراً، لأنه لا توجد درجة من الاستثمار فيه يمكن أن تؤتي ثمارها.
صانع الصفقات القاسي يستحق التعامل معه فقط إذا التزم بقاعدة أساسية واحدة: بمجرد إبرام الصفقة، حتى لو كانت سيئة، يتم الالتزام بها. لقد انتهك ترامب هذا المبدأ.
وعندما يتعلق الأمر بـ “إسرائيل”، لم يعد يبدو ترامب كشخص يمكن إقناعه أو مدحه أو كسب رضاه من قبل الدول العربية. ببساطة، ليس لديه التركيز الكافي لمنع الصراع من التوسع بطرق تعيد رسم الخريطة المادية والسياسية للشرق الأوسط بشكل متزايد. إنه إمبراطور كسول ومتقلب، جالس على كومة أمة مضطربة بالعنف والأزمات.
لكن الخيار الآن للعديد من الحلفاء الأمريكيين هو بين تسليم سيادتهم لترامب، أو إيجاد طرق لتعزيزها بوسائل أخرى، دون أن يتحولوا إلى أعداء للرئيس الأمريكي.
قد يرى ترامب ونتنياهو في القمم والتصريحات مجرد عروض بلا جدوى، لكن قوة دولتهم تكمن جزئياً في البعد النفسي. حيث كان التدليل عليهم قائماً على الفهم بأن الجميع يعمل معاً للحفاظ على الوضع الراهن، مما يعني أن الحلفاء لن يُقصفوا أو تُدمر اقتصاداتهم، بمجرد كسر هذا السحر، تصبح كل الاحتمالات مفتوحة.
المصدر: The Guardian
الكاتب: Nesrine Malik