أهم الأفكار في كتاب إرادة الاعتقاد لوليام جيمس

إعداد قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 15-10-2025
الفكرة العامة للكتاب
يُعدّ كتاب “إرادة الاعتقاد” (The Will to Believe) من أبرز النصوص الفلسفية التي تمثل الاتجاه البراغماتي في الفكر الأمريكي الحديث، وهو دفاع قوي عن حق الإنسان في الإيمان، حتى في غياب الأدلة العقلية القاطعة.
يرى وليام جيمس أن الإنسان ليس كائنًا عقلانيًا محضًا، بل هو كائن وجداني وإرادي أيضًا، وأن هناك حالات يكون فيها الإيمان اختيارًا مشروعًا تفرضه الحاجة العملية والوجدانية، وليس مجرد استنتاج عقلي جامد.
من هنا، يسعى جيمس إلى إثبات أن الاعتقاد فعل إرادي، وأنه لا يمكن اختزال الحياة الأخلاقية والدينية في حدود العقل فقط، لأن التجربة الإنسانية أوسع من البرهان المنطقي.
المحاور الرئيسية للكتاب
الإيمان كفعل إرادي لا كقناعة عقلية
ينطلق جيمس من فكرة أن الإنسان يُواجه في حياته مواقف لا يمكن فيها انتظار اليقين المطلق. فهناك قضايا تتعلق بالمصير، والأخلاق، والدين، لا تسمح بطول التردد.
يرى أن الاعتقاد هنا فعل من أفعال الإرادة، أي أن الإنسان يختار الإيمان حين تكون الأدلة غير كافية، لأن الامتناع عن الاعتقاد هو نفسه اختيار ضمني للّاإيمان.
“إن رفض الإيمان ليس أكثر عقلانية من قبوله، فكلاهما يقوم على إرادة حرة في موقف غامض.”
هذه الفكرة كانت ردًّا على التيار التجريبي والعقلاني الصارم الذي مثّله فلاسفة مثل كليفورد، الذي اعتبر الإيمان دون برهان خطيئة فكرية. أما جيمس، فيؤكد أن الإنسان لا يمكنه العيش دون مخاطرة فكرية.
الفرد محور الفعل والمعرفة
في فلسفة جيمس، يحتل الفرد الإنساني مكانة مركزية. فالتاريخ يبدأ من الفرد وينتهي إليه. هو صاحب الفعل والاختيار، ومن خلاله تتطور الجماعة وتتقدم أو تتراجع.
يقول في ذلك إن الإنسان هو “القوة الظاهرة التي ترفع الجماعة وتخفضها”.
الاختيار الأخلاقي، والقرار الديني، والموقف الفلسفي، كلها نابعة من تجربة الفرد الذاتية لا من منظومة عقلية عامة مفروضة عليه.
” لقد وضع الله كلا من الحياة والموت، والخير والشر، بين يدي الإنسان، وقال له: اختر الحياة.”
بهذا المعنى، يؤكد جيمس على الحرية الوجودية للفرد، ويجعل من الإيمان تجربة شخصية حية، وليست مجرد مبدأ نظري.
العلاقة بين الأخلاق والدين
يرى جيمس أن الأخلاق والدين يتقاطعان في منبع واحد هو الإرادة. فالأخلاق ليست مجرد قواعد اجتماعية، بل هي تجربة شعورية حية، تُمتحن في أفعال الإنسان اليومية.
يناقش فكرة أن الحسن والقبح لا يُحددان بالمنطق، بل بالشعور الداخلي والنية الحرة.
أما الدين، فهو الامتداد الأسمى لهذه التجربة الأخلاقية، لأنه يمنحها بعدًا غائيًا وعمقًا روحيًا.
من هنا، فإن الدين في نظر جيمس ليس منظومة عقائدية فقط، بل هو موقف اختياري يعبر عن حاجة الإنسان للمعنى.
“الدين هو التعبير العملي عن إرادة الإنسان في أن يعيش في كونٍ ذي معنى.”
العلاج النفسي للتشاؤم
من القضايا المهمة في الكتاب معالجة التشاؤم الوجودي الذي أصاب كثيرين من أبناء العصر الحديث.
يقدم جيمس ما يمكن تسميته بـ”العلاج النفسي للإيمان”، إذ يرى أن الإيمان ليس فقط قضية معرفية، بل علاج نفسي ووجودي يمنح الحياة توازنًا ومعنى.
فمن دون الاعتقاد بشيء أسمى، تصبح الحياة عبثية، ويُصاب الإنسان بالعجز الأخلاقي.
هنا يلتقي جيمس مع نظريات لاحقة في علم النفس الإيجابي، إذ يجعل الإيمان قوة دافعة للحياة وليست قيدًا على العقل.
المفارقات الفردية ودورها في التطور الاجتماعي
يؤكد جيمس أن التطور الاجتماعي لا ينبع من الجماعة بوصفها كتلة، بل من الأفراد الذين يملكون القدرة على المخالفة والإبداع.
هذه المفارقات — أي الأفكار الخارجة عن السائد — هي التي تدفع المجتمع نحو التغيير.
إن الفرد الذي يملك الشجاعة ليؤمن بما لا يجرؤ الآخرون على تصديقه، هو المحرك الحقيقي للتاريخ.
الخلاصة العامة
يُعد كتاب “إرادة الاعتقاد” تأملًا فلسفيًا في جوهر الحرية والإيمان والمسؤولية.
في زمن طغى فيه العقل المادي والبرهان العلمي، جاء جيمس ليقول:
إن الإنسان ليس آلة تفكر، بل روح تختار، وأن الإيمان ليس ضعفًا في البرهان، بل شجاعة في الوجود.
إن فلسفة وليام جيمس في هذا الكتاب تمثل جسرًا بين الفلسفة والدين، بين النفس والعقل، بين العلم والإيمان، وتبقى إحدى أهم الدعوات إلى التوازن بين العقلانية والإنسانية.