أنا الصامت المنسي … فليكن أنا هذه المرة
عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي- العراق
الأنا تؤدي الى الانانية ومنها تنطلق المصالح والاهداف الضيقة ويدخل بها الانسان الى دائرة قصرالنفع بعد خروجه من الدائرة الانسانية والخير العام، وبأختصارانها صفة مذمومة، ولكنها راسخة في الابدان, فلا يمكن ان تتصور انساناً لا يحب ذاته حتى المنتحر فحبه لذاته يدفعه الى قتل نفسه حباً في حياة اسعد او انقاذاً لنفسه من حياة مملة وتعيسة .
إن عمل الانسان في حياته من اجل لقمة العيش دافعه انانيته في جزء كبير منها, وطلبه للجاه والكرسي والمال تأتي في السياق ذاته, وإلا ما هو المبرر من كدحه وعمله ليل نهار, فان قلنا، انه يعمل لأولاده فكم من رجل ليس له ولد ولكنه يصارع الحياة من اجل كسب عيشه.
ولكن القسم الاكبر من البشر لا يقدر ان يصرح، كما صرح به كليم الله موسى عليه السلام (رب اشرح لي صدرى ويسر لي أمري وأحلل عقدةً من لساني يفقه قولي)، ويقول (ها انا ذا) ويبقى صامتاً منسياً خلف ابواق جملة من الملاقين اصحاب الكلمات الرنانة والجمل المرتبة في مدح أنفسهم وإظهارها انه الرجل الخارق, فكم من جندي (بيشمه ركه) باسل وشجاع دحر العدو بعزيمته ولم يستسلم وضرب اروع الأمثلة في الصبر والإرادة الفولاذية، ولكن لسان حاله لا يساعده على البوح واعلان ما قدمه ليأتي آمره ويتغنى على هواه ويرجع كل ما قدمه الجندي المسكين لنفسه بأعتباره إنجازاً شخصياً، وبالتالي يذاع صيت الآمرويصوره الناس بطلاً، ويبقى الجندي الحقيقي دون ذكربالاسم ويذهب جهوده سدى, وكم من موظف تعب واثقل كاهله بتقديم الخدمة ليأتي مديره ويقدم نفسه مجاهداً ومكافحاً وخارقاً للصعاب, لانه يملك لساناً فصيحاً ومجالاً ليتقدم .
طلب المناصب والكراسي خطوة تحتاج الى الجرئة وازالة ماء الوجه ويقلل من كرامة الانسان, لأن الاصل في المسألة هي ان الكرسي يبحث عمن يعتليه وبحاجة اليه وليس العكس, ولكن في زماننا اصبحت المعادلة عكس ذلك, ولكنه في مرات كثيرة يكون الطلب ضرورياً بل واجباً عند شعور المرء بوجود خطر يداهم البلاد والعباد او للمصلحة العامة، كما فعل يوسف عليه السلام (قال اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم) سورة يوسف الاية (55)، وهذا يدل على ان الواثق من نفسه يجوز له بل يتحتم عليه الواجب ان يطلب تولي منصب من الرئيس او القائد خاصة اذا كان يعلم بأن هذا الكرسي سيمتلئه آخر فاسد ولا يستطيع احقاق الحق وتطبيق العدالة .
وفي ضوء ما ذكرناه، فان الحكومات جملةً وحكومة اقليم كوردستان بشكل خاص مطالبة وهي على أعتاب ابواب إجراء تغييرات في الوجوه والمستولين على المناصب لسنوات طويلة، ان تبحث عن الصامتين المنسيين الذين أخفاهم اصحاب الافواه العريضة والثرثارون الذين يتفوهون بمنجزات غيرهم لأنفسهم, لانهم العماد القويم واصحاب الكفاءة الحقيقيين والخبرة, وان عجزهم بإعلان ما لديهم وما قدموه من خدمة جليلة لا تعني باي شكل ان اختباءهم وراء ستار الحياء وعدم الرغبة في البوح والاظهار في الملأ انهم ليسوا من الاخياراوالمخلصين أولايستطيعون ان يقدموا الخدمة وأنهم لا يرغبون بتولي المناصب.
هذا الامر يتطلب نوعين او نمطين من الحركة فعلى الحكومة وعن طريق آلياتها الخاصة ان تبحث عن هؤلاء وما اكثرهم في كل المؤسسات، وان تتجاوز طلبات الذين يعتلون المناصب لأغراض شخصية ويستغلونها للمنفعة الخاصة ويقيمون شبكة من العلاقات الواسعة عن طريقها، وحين تحديدهم تكون المفاجئه وتظهر قوة الحكومة ورغبتها الشديدة بالاعتماد على المخلصين المنسيين، ومن جانب آخر على الصامتين ايضاً ان يتحركوا ويضربوا الحجر في الماء الراكد من اجل تحريكها ويهدمون جدار الصمت الذي طالما عانوا من آلامها ومعاناتها .
وحينما تجتمع رغبة الحكومة في تقديم الخدمة مع خبرات وكفاءات المنسيين تتولد الطاقة الكامنة وتنفجر القدرات المخفية لتشكل بركاناً في وجه المتطفلين على كراسي الادارة، وعند التقاء القوتين المتلاحمتين تكوّن قوة خارقة لتصنع المعجزات وتحقق امنيات الشعب الكوردستاني في العيش الآمن والحياة السعيدة .
وكلنا امل، بأن الحكومة الحالية لاقليم كوردستان العراق برئاسة السيد (مسرور بارزاني) ستكون حكومة البحث عن المنسيين الصامتين وتكون المرحلة القادمة لهم لأن الشعب قد ملًت من الوجوه الموجودة ويكون ذلك جزءاً من عملية الإصلاح المعلنة عنها مرات عديدة، لأن الاشجار تثبت في الارض بجذورها المخفية تحت التراب وليس بأغصانها ونحن نحكم قوة الأشجار في مظهرها وجمال أوراقها وصوت هبوب الرياح عليها وحجمها وطول عمرها، ولكن الأصل في المسألة هي أن قوتها تكمن في جذورها التي اخترقت أعماق الأرض لتقف صامدةً بوجه الرياح والأمطار والسيول.
فقوة أية حكومة تكون في البحث عن الصامتين المنسيين من المواطنيين ومنحهم الفرصة لترى كم من المنجزات ستحقق ومن الصعاب تتجاوز بهمتهم وصلابتهم.