أخبار العالمأمريكابحوث ودراسات

المدار الأمريكي العالمي: واشنطن” لعبة الحرب وشبح السلام” ؟

تقديم:

تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن الحادي والعشرين بحضور عسكري فى أنحاء العالم لا يدع مجالا للشك بشأن وضعها كقوة عظمى.وهذا لم يكن الحال فى مطلع القرن العشرين، فعندما كانت دول أوروبا تشن حربا كانت الولايات المتحدة منعزلة، حتى رافضة للعنف، كما أن قادتها كانوا مترددين في حمل السلاح والمشاركة في الحرب. ولكن ذلك تغير منذ مئة عام.

كان الرئيس و ويلسون قد أعيد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية عام 1916، تحت شعار “لقد أبقانا بعيدين عن الحرب”. قبل ذلك بعام، عقب إغراق طوربيدات ألمانية لسفينة لوسيتانيا البريطانية، مما أودى بحياة ما يقرب من 1200 شخص، بينهم 128 أمريكيا، حصل ويلسون على وعد من برلين بأنها سوف تقوم بتقييد حربها بالغواصات.صوت الكونجرس في السادس من إبريل 1917 لصالح إعلان الحرب على ألمانيا وحلفائها، مما غير مسار التاريخ، وهيأ المسرح للولايات المتحدة الأمريكية لتصبح قوة عالمية حاضرة بالمركز الأول في ساحات الحروب لتخوض غمارها ضمن المدار العالمي….

أولا – أهمية الإسناد بين تحولات السياسة الخارجية ووثيقة الأمن القومي الأمريكي

لأكثر ما يزيد عن 3 عقود من الزمن وأمريكا تؤدي دور الشرطي العالمي تعلن ضمن سياستها الخارجية الدفاعية الحربية وفوق كل إعتبار لكن وثيقة الأمن القومي الأمريكي وتحولات السياسة الخارجية الأمريكية ما فتئت تتغير . تؤكد الوثيقة بأن واشنطن تنتهج في عهد دونالد ترامب سياسة دعم السلام عبر الضغط بالقوة، وتفعيل الشراكة مع الحلفاء الاستراتيجيين في المنطقة، والعمل على إنهاء النزاعات التي قد تصل أضرارها إلى أطراف المصالح الأمريكية، والاشتغال لمنع القوى الدولية والإقليمية الخصيمة من السيطرة على مواقع القوة في العالم.
ثمة تحول واضح في عناوين السياسة الخارجية الأمريكية على مستوى المناطق، فإذا كان الثبات يبصم تركيزها على المحيط الهندي، وحرصها على تأمين التجارة العالمية في المعابر البحرية الدولية، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يعيد مرة أخرى تجريب سياسته التي بدأها في ولايته الأولى، بمحاولة تخفيض الصراع مع روسيا، والصين، والضغط على أوربا من أجل تغيير عقيدتها في التعامل مع روسيا، وخلق بيئة سلام واستقرار في القارة الأوربية تمنع الحرب من الإضرار بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية، وتضع أوربا في ساحة المعافاة والكفاية الذاتية على المستوى الاقتصادي والأمني والعسكري.
صحيح، أن الوثيقة تراهن على ضرورة تأمين هذا المعسكر الغربي والمحافظة لواشنطن على مركز الريادة فيه، لكنها في المقابل، لا تخفي وجود خلاف جوهري مع حلفاء واشنطن الأوربيين الذين تتهمهم بتبني سياسة غير واقعية في التعاطي مع حاجات روسيا الأمنية، وتعتبر أن نتائجها ستكون مكلفة للأوربيين ومضرة أيضا لأمريكا.وثيقة البيت الأبيض، تتحدث عن بروز مؤشرين يبرران نقل منطقة الشرق الأوسط من دائرة الثقل الاستراتيجي، يتعلقان معاً بتقلص التهديدات الأمنية في المنطقة، الأول، يخص أمن إسرائيل، بعد تكبد إيران ومحاورها في المنطقة لخسارة استراتيجية بعد السابع من أكتوبر 2023، لاسيما بعد توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، وسقوط نظام بشار الأسد الحليف لطهران، وتلقّي حزب الله لضربة قوية. والثاني، يخص تنوع مصادر ومناطق استخلاص الطاقة في العالم، وتقلُّص الرهان على منطقة الخليج بهذا الخصوص.
تتحدث الوثيقة عن تحول مفصلي في مفردات السياسة الأمريكية اتجاه إفريقيا، والقطع مع سياسة الاكتفاء ببث الأفكار الليبرالية، والتحول إلى منطق الشراكات الاستراتيجية، والولوج إلى مصادر الطاقة والمعادن الثمينة، ولذلك بات من الواضح أن واشنطن تتجه نحو إبرام شراكات مع دول منتقاة في القارة، لبناء علاقات تجارية متبادلة، والانتقال من براديغم المساعدات الخارجية إلى براديغم تنمية الاستثمارات، وضمان الولوج إلى المواد الطبيعية الوفيرة والإمكانات الاقتصادية الكامنة.
تعدد الوثيقة بعض وسائل إنجاز التحول في هذا البراديغم، وتذكر من ذلك تشجيع المفاوضات لإنهاء النزاعات في السودان أو رواندا مثلاً، والعمل على منع نزاعات جديدة (أثيوبيا-إريتيريا الصومال)، والبقاء دائماً في حالة حذر من تنامي التهديد الإرهابي في مناطق من إفريقيا وتجنب أي وجود أو التزام أمريكي طويل الأمد بالقارة.
ثمة نقطة جديرة بالملاحظة، فالوثيقة، لم تذكر قضية نزاع الصحراء ولا التوتر بين المغرب والجزائر، مع أنها ذكرت أكثر من نموذج للنزاع تسعى لتسويته في القارة السمراء.
ثمة أربعة اعتبارات تبرر ذلك، أولها، أن هذه القضية أضحت اليوم مؤطّرة بقرار مجلس الأمن 2797، وبدور فعال للدبلوماسية الأمريكية يقوده مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الإفريقية، في حين، لم تؤطر الصراعات الأخرى لحد الآن، بأي إطار للتسوية. والثاني، أن الوثيقة تحدثت بوضوح عن انتقاء دول ذات سيادة لشراكات استراتيجية في القارة الإفريقية، والواضح من خلال تحولات السياسة الأمريكية، أن المغرب، ليس مجرد مرشح من ضمن الدول المنتقاة، بل هو شريك استراتيجي ارتفعت مرتبته لدرجة حليف استراتيجي، والثالث، أن مصالح أمريكا في القارة السمراء، تواجهها تعقيدات أمنية خاصة في دول الساحل جنوب الصحراء، وتعقيدات استراتيجية تتعلق بالنفوذ الروسي في المنطقة، وتعقيدات اقتصادية تتعلق بالنفوذ الصيني، والمغرب، إلى حد الآن، خلافاً لفرنسا، نجح في أن يقيم سياسة متوازنة في المنطقة، فحاول إدماج دول الساحل جنوب الصحراء(مبادرة الواجهة الأطلسية التي تم الترحيب بها من قبل دول الساحل جنوب الصحراء)، وأبقى على حجم معتبر من العلاقات مع روسيا دون الاحتكاك مع مصالحها الاستراتيجية، وهو فوق هذا وذاك، يتمتع بأدوار اقتصادية وتجارية وأمنية ودينية في المنطقة. والرابع، أن واشنطن تعتقد أن مفتاح نجاح سياستها الجديدة، يعتمد على مصالحة مغربية جزائرية، تؤمّن مشاركة دولتين ذات سياسة، تتوفران على شرط الاقتدار العسكري، وتأمين الحدود، في تحقيق رؤيتها الأمنية والاستراتيجية في دول الساحل جنوب الصحراء.
إن سياسة واشنطن الجديدة في القارة الإفريقية، تجعل إنهاء النزاع في القارة مفتاح رؤيتها الجديدة لتوسيع مصالحها الاستراتيجية في إفريقيا، ولكن أيضا، لأنها تعتبر أن الشراكة مع بعض الدول الحليفة المنتقاة، هو أداتها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية مع القارة، وليس ثمة أدنى شك أن الرباط، تتمتع بوضع “فوق عادي” في علاقتها مع واشنطن، وأن شراكتها مع واشنطن بدأت بشكل فعلي وواعد، قبل أن يتم تسطير مفردات هذه الوثيقة، والظاهر، أن عدم ذكر نزاع الصحراء، يفسّر بكونه الأقل مقارنة مع النزاعات الأخرى، ولكونه في ملك اليد، بعد صدور قرار مجلس الأمن 2797، الذي وضع الأساس لحله بشكل نهائي تحت السيادة المغربية.

ثانيا : المفاوضات الصينية الأمريكية صراع النفوذ وحرب البقاء

تُعد الولايات المتحدة والصين أكبر اقتصادين في العالم، والعلاقة بينهما تمثل حجر أساس للنظام التجاري والمالي العالمي، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تدهوراً تدريجياً في الثقة والتعاون، بسبب قضايا تشمل: المنافسة الجيوسياسية والتكنولوجية؛ الخلافات التجارية والاستثمارية؛ العقوبات المتبادلة والقيود على الصادرات. على مدار السنوات الأخيرة، اعتمدت الولايات المتحدة سياسات جمركية وإجرائية متصاعدة تجاه الصين، شملت تعريفات جمركية متشددة، قيود تصدير تكنولوجية، وضغوط على منظومة سلاسل التوريد.

في المقابل، لجأت الصين إلى أدوات مثل قيود التصدير على “المعادن النادرة” لتعزيز موقفها التفاوضي اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ في 30 أكتوبر 2025 بمدينة بوسان في كوريا الجنوبية، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC)، وذلك في إطار مساعٍ مشتركة لدفع العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين نحو مرحلة من التهدئة بعد سنوات من التوتر التجاري المكثّف، ولهذا، فإن المناخ الذي جرت فيه المباحثات كان مشحوناً، لكن أيضاً تميّز بوجود دافع متبادل لتجنّب تصعيد أكبر، لما قد ينطوي عليه من مخاطرة للاقتصاد العالمي. قد يشكّل نقطة انعطاف مفصلية في مسار العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية، وسلاسل التوريد العالمية، والموارد الاستراتيجية مثل المعادن النادرة ولذا يسعى هذا التقرير إلى تحليل العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، واستعراض محاور الخلاف الرئيسية بينهما،مع تقييم وتحليل شامل لاتفاقية بوسان 2025، مع التركيز على انعكاساتها الاقتصادية المتوقعة على البلدين وعلى الاقتصاد العالمي.

إتفاقية بوسان كانت بمثابة ميثاق غير معهود فيمكن القول إن الاتفاقات المعلنة تحمل رسائل إيجابية للاقتصاد العالمي، خصوصاً في مجالات الزراعة والمعادن النادرة والتجارة، وتخفف من حالة عدم اليقين التي أثقلت الأسواق طوال العام. ومع ذلك، يظل الاتفاق محدوداً زمنياً ولم يعالج القضايا الجوهرية طويلة الأمد، ما يعني أن الطريق نحو تعاون مستدام بين أكبر اقتصادين في العالم ما زال طويلاً. من منظور اقتصادي، يُعد الحد من احتمال التصعيد الكبير في المدى القريب خبرًا إيجابيًا لسلاسل التوريد وجذب الاستثمار واستقرار الأسواق، لكنه في الوقت نفسه يمثل هدنة مؤقتة أكثر من كونها انتصاراً لأي طرف. لذا، يجب متابعة التطورات بحذر خلال العامين المقبلين لمعرفة ما إذا كانت هذه المرحلة ستتحول إلى تعاون مستدام أو ستظل مجرد محطة مؤقتة في صراع طويل الأمد….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق