أطفال القارة السمراء.. في مرمى الإرهاب والتطرّف
افريقيا: أميرة زغدود 17-09-2021
على مدى العقد الأخير، تكاد لا تخلو منطقة من مناطق القارة السمراء من شبح الإرهاب وتنامي الحركات الإرهابية والجماعات المسلّحة، وكان هذا التحدّ الأكبر لدول القارة من شرقها الى جنوبهاحيث لا يقتصر خطرها على منطقة بعينه، وتسعى الحكومات الافريقية لإيجاد حلّلكيفية التصدي ومنع مزيد التغوّل لهذه الحركات التي صنّفت على أنّها إرهابية والتي تمتهن الخطف والقتل والترهيب للصغير قبل الكبير لنجدها تسعى جاهدة الى استقطاب الجميع طواعيّة كانت أو اكراها كما تفعل مع تجنيد الأطفال الأبرياء الذين يحلمون فقط بلعبة تبهج النفس وفي أكلة تسدّ رمق جوعهم.
تفيد الاحصائيات الأمميّةبوجود أكثر من 5000 إفريقي من جنسيات مختلفة ينشطون مع الجماعات الإرهابية المنتشرة في القارة، حيث تضم منطقة الشرق الافريقي 64 منظمة وجماعة إرهابية، كما وتتوزع الجماعات الإرهابية على مناطق الوسط والغرب في محاولة لمزيد التمدّد.
وفي هذا السياق، أورد التقرير الصادر عن مؤسسة “ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان” في القاهرة، بعنوان “عدسة العمليات الإرهابية في إفريقيا”،تعرّض 15 دولةبالقارة السمراء في العام الجديد 2021 لـ 66 هجوما دمويا، والذي أسفر عن تشريد الآلاف وخطف واعتقال العشرات أغلبهم من الأطفال.
الإستماتة في سبيل التمدّد
إن قوَّة الجماعات الإرهابية وفاعليتها في القارة تختلف من منطقة إلى أخرى، كما تختلف تداعياتها أيضًا، فنجد الجماعات الإرهابية لا تدخّر جهدا في التمركز في دول تعاني الخصاصة والفقر وعدم استقرار الأوضاع الأمنية كنقاط تركز وعمل في سبيل التكيّف والتمكّن من فرض سلطتها الخارجة عن القانون.
وقد تسبّبت زيادة النزاعات والصراعات المسلحة في عديد الدول الافريقية في ازدياد تجنيد الأطفالبشكل كبير، وتعكس هذه الصورة حقيقة أنّ الأطفال الأفارقة يتعرضون لانتهاكات على نطاق واسع كأفراد ذوي حقوق.
ففي النيجر أو كما تسمى حبيس القارة الافريقية، وهي الدولة الأكبر في منطقة الغرب الافريقي بإجمالي سكاني جاوز الـ 25 مليون نسمة وفق احصائيات 2021، وبمساحة تناهز 1.270.000 كم مربّع،هذا البلد الذي يعاني إشكاليات مناخيّة عديدة، كالتصحّر والجفاف لتغطية الصحراء الكبرى ما يقارب 80% من مساحتها الجمليّة، كما وتعيش جملة تحدّيات تنموية بسبب الموقع الجغرافي والتضاريس الصحراوية وانعدام البنية التحتيّة وانخفاض مستويات التعليم.
وفي هذا الصدد، أفادت منظمة العفو الدولية أنّ المجموعات المسلّحة تقتل عددا متزايدا من الأطفال، كما تقوم بتجنيدهم في النيجر وخصوصا في المناطق الحدودية مع بوركينا فاسو ومالي حيث يضاعف الجهاديون الهجمات الارهابية.
ومن جهته، قال مساعد مدير منظمة العفو، وات ويلز إنّه في منطقة تيلابيري في النيجر، ينشأ جيل كامل محاطا بالموت والدمار، إذتهاجم المجموعات المسلّحة مرارا المدارس وهي تستهدف أطفالا في حملات التجنيد التي تقوم بها.
وتجدر الإشارة أنّ المنطقة المعروفة بـ”الحدود الثلاثة” تشهد هجمات متكررة يشنها تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة.
وبحسب منظمة العفو فإنّ أكثر من 31 ألف طفل قد انقطعوا عن الدراسة، بزيادة عشرة آلاف طفل عن العام الماضي، مندّدة بخطورة وضع تجنيد الأطفال التي تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة من قبل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بالنيجر،وقد كشف ذات التقرير وجود حوالي 17% نسبة الأمية في العالم، والنيجر وتشاد الأعلى بين الدول.
أطفال الصومال في شباك”داعش”
نادتمنظمات حقوق الإنسان الصومالية والعالمية بضرورة الحدّ من ظاهرة اختطاف الأطفال عنوة من أسرهم، وتجنيدهم للقيام بعديد العمليات الإرهابية التي حدثت في مقديشو وفي عدد من المدن والقرى الصومالية، والتي تمكّنت عناصر الشرطة الصومالية من اإقاء القبض على بعضهم في حين لقي البعض الآخر مصرعه.
ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة حول الأطفال والنزاعات المسلّحة، الذي صدر في يونيو 2018، فقد جنّدت الجماعات المسلّحة بالقوة واستخدمت في الصراع 2228 فتى و 72 فتاة في نفس العام في الصومال.
في حين أورد تقرير اليونيسيف الصادر في شهر أغسطس الماضي، استمرار تجنيد الأطفال مع تضرّر ما يقرب من 7,000 طفل في عام 2020، وحدثت معظم هذه الانتهاكات في جمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال.
في حين أشارتالدراسة التي أجرتها مؤسسة “ماعت للسلام والتنمية”، بعنوان “تجنيد الأطفال في أفريقيا.. المحاربون الصغار في خطر” أنّه تمّ تسجيل تراجع في أعداد الأطفال المجندين في ثلاث دول بأفريقيا، وهي أكثر الدول التي تعيش على وقع الصراعات والنزاعاتالمسلّحة في أفريقيا، حيث تأتي على رأسها الصومال؛ “خلال الخمس سنوات الأخيرة منذ عام 2016، تم تجنيد 1.915 طفلًا، وقد وصل هذا العدد حتى ديسمبر 2020 إلى 1.716 طفلًا، مما يعني انخفاض أعداد المجندين الأطفال في الصومال. وأيضًا جنوب السودان في 2016 كان 1.022 طفلًا تم تجنيدهم، وقد انخفض هذا العدد حتى وصل إلى 62 طفلًا، أما نيجيريا في 2016 فتم حصر 278 طفلًا تم تجنيدهم، فيما وصل في نهاية 2020 إلى سبعة أطفال فقط”.
لم يقتصر خطر الجماعات الإرهابية على أطفال النيجر والصومال فقط بل إنّ الخطر الإرهابي يُهدّد كذلك أطفال مالي والسودان والتشاد، بسبب وجود عدد كبير من عناصرهداعشالفارين من سوريا والعراق عقب خسارته كافّة معاقله في سوريا والعراق، حيث أُمرت الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم داعشبتجنيد أكبر عدد ممكن من العناصر الإرهابية خاصة الأطفال لاعتبارهم فريسة سهلة الاصطياد.
تقف عديد الأسباب وراء اعتماد سياسة تجنيد الأطفال في معظم الدول الافريقية ولعلّ أهمّ الأسباب هو الفقر الذي يعانيه أطفال القارة السمراء، حيث كانوا فريسة سهلة الاصطياد من قبل عدد من التنظيمات الإرهابية، السبب الثاني هو ضعف الجهود الأمنية والعسكرية لمكافحة الإرهاب وهذا ما خلق بيئة مواتية لتنامي استراتيجية الجماعات الإرهابية في تجنيد الطفولة لغايات شنيعة كالاقتتال والسرقة والنهب.
وفي دراسة حديثة أجرتها منظمة Plan international المعنية بحقوق الطفل والمساواة بين الجنسين بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، في فبراير 2021، توصلت إلى أنّ 37الجماعات المسلّحة في أفريقيا تلجأ لاختطاف الفتيات لاستسلامهن السريع، في حين هناك من تفضّل الالتحاق طوعاً بعدد من تلك التنظيمات إما من أجل الحماية أو باعتبارها مصدراً من مصادر الدخل لهن ولأسرهن، كما تعمل هذه التنظيمات على استغلال الفتيات من أجل القيام بالعديد من الأدوار كالترجمة والطهي ورعاية الأطفال، إلى جانب تشجيعهن على حمل السلاح وتنفيذ عدد من العمليات الانتحارية؛ فخلال الفترة من (2014 -2016) وظفت الجماعات الإرهابية النشطة في نيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد الفتيات المختطفات لتنفيذ 75% من الهجمات الانتحارية فيها.
دون السهو، عن دورهن الرئيسي في تمكين أعضاء التنظيمات الإرهابية من الحصول على أجيال جديدة من المقاتلين عبر تزويجهن قسراً بقادتها ومقاتليها، حيث توصّلت نفس الدراسة إلى أنّ الفتيات المختطفات أكثر عرضة للاستغلال الجنسي وأن حوالي 70% من الجماعات المسلّحة كانت مسئولة عن الاعتداء والاستغلال الجنسيين للفتيات، كما أفادت منظمة اليونيسيف أن 29% من الفتيات المفرج عنهن من القوات والجماعات المسلحة خلال الفترة (2018- 2020) في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعرّضن للاغتصاب أو العبودية الجنسية أو الزواج القسري.
وفي الختام، لا يسعنا القول سوى أنّ تجنيد الأطفال دون سنّ 18 هو انتهاك صارخ للطفولة ولحقوق الطفل، فالطفل الافريقي يحلم ببيئة جيّدة لا ينقصها أكل أو تعلّم ولكن الواقع المرير الذي يعيشه أطفال القارة الافريقية من خطف واغتصاب وتجنيد قسري في صفوف الجماعات المسلّحة الإرهابية قتل الطفولة مبكرا، وعلى الرغم من الجهود الحكومية والدوليّة وحتى الامميّة فلا تزال أزمة الطفل الافريقي معظلة توجّب حلّها.