أخبار العالمإفريقيا

ثروة تونس الضائعة “الفسفاط”..تفاصيل صفقة فساد تورَّط فيها كبار المسؤولين

تونس:13-08-2021

على خلفيّة اصدار النيابة العمومية التونسية، في 9 أغسطس 2021، قرار يقضي بمنع السفر لـ12 مسؤولاً، للاشتباه في تورّطهم في قضايا شبهات فساد مالي وإداري تتعلّقبصفقة استخراج وشحن 600 ألف طن من الفوسفات بمنجم المكناسي من ولاية سيدي بوزيد بالوسط الغربي التونسي، وقد
توّلت منظمة “مرصد رقابة” ايداع ملف الشكوى منذ يونيو 2020.

وحسب البيان الصادر عن مرصد رقابة، فقد تمّ الإعلان عن أبرز الأسماء المتورّطة بهذا القرار، وهم سليم الفرياني عن حزب تحيا تونس، والذي شغل منصب وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة زمن حكومة يوسف الشاهد، وعبداللطيف حمام، الرئيس المدير العام الأسبق لشركة فوسفات قفصة، والكاتب العام الأسبق لحكومة الشاهد، ولطفي علي النائب في البرلمان  التونسي عن حزب تحيا تونس، وهو أيضا رجل أعمال في مجال المقاولات بولاية قفصة.

وصرّح عماد الدايمي، رئيس “مرصد رقابة” :إنّ منظمته أودعت ملف هذه القضية للقضاء بعد أن ثبت لديها، من خلال أعمال تقصٍّ وجمع للوثائق والشهادات، وجود تواطؤ حكومي في إسناد الصفقة المذكورة لصاحب شركة مقاولات ينتمي إلى حزب رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، ومن بين قياداته أيضاً وزير الصناعة سليم الفرياني”.

وشدّد الدايمي على أنّ حكومة الشاهد هي المسؤولة الأولى عن السكوت على التجاوزات داخل شركة فوسفات قفصة””CPG، وأنها عملت على توفير غطاء سياسي مكّن المستفيدين من الصفقة من مواصلة الانتفاع بصفقات خارج أحكام القانون، عبر ملاحق مضافة لطلب العروض لم تحترم الشكليات القانونية، وبموافقة استثنائية من وزير الصناعة رغم احتراز مراقب الدولة.

كما كشفت الوثائقأنّ الوزير السابق سليم الفرياني قد تجاهل قرار “مراقب الدولة”، الذي اعترض على موافقة الشركة بإسناد صفقة استخراج فوسفات منجم المكناسي إلى شركة النائب عن حزب تحيا تونس، لطفي علي، لما تمّت معاينته من اخلالات قانونية في العرض المقدّم من الشركة، وتمّ بذلك اصدار قرار مؤرخ في 22 كانون الثاني 2019، يقضي بالمصادقة على قرار شركة فوسفات قفصة بالترخيص لشركة النائب عن حزب تحيا تونس، لطفي علي، باستخراج وشحن ونقل 600 ألف طن من الفوسفات من منجم المكناسي، دون اعتماد تعليلات قانونية فعليّة بل أورد عبارات فضفاضة “وباعتبار أهمّية المشروع ودوره في دفع التنمية والتشغيل بمعتمدية المكناسي”.

كما أكّد عماد الدايمي أنّ: “العديد من الخروقات شابت الصفقة منذ الإعلان عنها، وهو ما دفع مراقب الدولة إلى اتخاذ القرار السليم بالاحتراز عليها”.

وذكر الدايمي أنّه من جملة الخروقات التي رُصدت، تأجيل الأجل الأقصى لطلب العروض لغاية تمكين النائب المجمّد لطفي علي من المشاركة في الصفقة، وكذلك تمّ تغيير شروط الصفقة لتتناسب مع العرض الذي تقدّم به رجل الأعمال، خاصّة وأنّ عرضه لم يكن الأفضل والأقل ثمناً ضمن الـ 6 شركات التي قدّمت طلباتها للحصولعلى الصفقة، وأشار الدايمي إلى أنّه “تمّ التلاعب بالصفقة والزيادة في الأثمان دون احترام الإجراءات، بصيغ خارج القانون“.

وحسب “مرصد رقابة” فإنّ إسناد الصفقة للنائب لطفي علي تمّ على ضوء انتمائه لحزب تحيا تونس، وهو حزب  رئيس الحكومة ووزير الصناعة آنذاك، حيث أنّ القرائن واضحة وتؤكد على التدّخل الحزبي في هذه الصفقة، وتعتبر دليلاً واضحا على شبهات تضارب المصالح.

علاوة على أنّ عضو لجنة التقييم لطلب العروض، هو نفسه مدير الشراءات بشركة فوسفات قفصة، وهو صهر النائب المجمّد لطفي علي، كما أنّ المدير المركزي للتزوّد بشركة فوسفات قفصة، هو الذي أدار الحملة الانتخابية النيابية لسنة 2019 للطفي علي ضمن حزب تحيا تونس، والحملة الانتخابية الرئاسية بولاية قفصة ليوسف الشاهد، رئيس حزب تحيا تونس.

كما أنّ رئيس المشروع المكلّف بمتابعة تنفيذ المشروع ومراقبة الإنجاز هو المنسّق الجهوي لحزب تحيا تونس في قفصة، ومدير الشؤون القانونية المكلّف بالرقابة القانونية على العقود والصفقات هو العضو المرتّب ثالثاً في قائمة لطفي علي الانتخابية سنة 2019 عن حزب تحيا تونس في قفصة.

لتكتمل أركان تهمة شبهات تضارب المصالح،لاعتبار صفة المتحصّل على الصفقة نائباً في مجلس البرلمان، وهذا ما يتخالف مع التشريعات القانونية التي يشير اليهاالقانون عدد 46 لسنة 2018 والمؤرّخ في 1 أوت 2018 والمتعلّق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح في الفصل 24 والذي ينصّ:” يمنع على رئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه المشاركة في المداولة أو أخذ القرار أو التصويت، سواء في الجلسة العامة للمجلس أو في اللجان، بخصوص أي موضوع لهم فيه مصلحة شخصية مالية مباشرة. ولا تعتبر مصلحة شخصية مالية مباشرة مشاركة العضو في موضوع يهم قطاعا أو فئة ينتمي اليها”.

ايقاف 12 متورطا وفرار النائب لطفي علي

وحول آخر التطورات المتعلّقة بملف الفوسفات، أكّد المتحدّث باسم السلطة القضائية في تونس، أوّل أمس الخميس، محسن الدالي أنّ السلطات قامت باعتقال  14 شخصا للاشتباه في ضلوعهم في قضية فساد في صناعة الفوسفات، في حين تحصّن النائب المجمّد لطفي علي بالفرار.

ومن جهته، وعد الرئيس قيس سعيدفي عديد المناسبات أنه سيعمل جاهدا رفقة أحرار الوطن على التصدّي للكسب غير المشروع، مشدّدا على أنّ محاسبة المتورطين في الفساد في قطاع الفوسفات آتية لا محالة بحيث لن يفلت أحد من القانون وكلّ من ثبت تورّطه سيحاسب لخيانة المؤتمن.

ويعتبر قطاع الفوسفات من القطاعات الحيوية  وعمود من أعمدة الاقتصاد التونسي والذي شهد بعد2011 تراجعا ملحوظا، فبعد أن كانت تونس تحتلّ المرتبة الثانية عربيابمعدّل انتاج 8.2 مليون طن في عام 2010، لكن بعد 10 سنوات يتراجع الانتاج إلى 3.1 مليون طن، وتكبّدت البلاد التونسية 7 مليارات دولار خسائر في العشرية الأخيرة وفق التقديرات الرسمية، وكانت تونس تصدّر ما يقارب 80%من الفوسفات إلى أكثر من 20 سوق خارجية.

ويرجع الكثيرون أسباب انهيار قطاع الفوسفات للحكومات المتعاقبة كسبب رئيسي في تفاقم مشاكل شركة فوسفات قفصة. لتكون الحكومات المتعاقبة سببا في تحوّل تونس من المصدّر الى الدولة التيتعمل على توريد هذه المادة لتشغيل المصانع ،حيث استقبل الميناء التجاري بمدينة قابس جنوب شرقي البلاد في أواخر أكتوبر الماضي سفينة مُحملة بنحو 16.5 ألف طن من مادة الفوسفات من الجزائر.

وبعد فتح ملف الفوسفات ولوبيات الفساد التي أحكمت قبضتها على هذا القطاع لسنوات خدمة لمصالح حزبية ومحسوبية علاقات مبنية على الولاءات، ينتظر التونسيون البتّ في هذا الملف لإنارة الرأي العام والوقوف على المحركات التي عطّلت عمل الشركة لسنوات عجاف دون تسويف للحقائق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق